• ×
admin

تناول الإنسولين عن طريق الفم يفيد الأطفال المهيَّئين جينياً للإصابة بالسكري

تناول الإنسولين عن طريق الفم يفيد الأطفال المهيَّئين جينياً للإصابة بالسكري
تجربة ألمانية واعدة نجحت في تأخير مضاعفاته الخطيرة عليهم

د. هاني رمزي عوض

وجدت تجربة بحثية حديثة، نُشرت نتائجها في النسخة الإلكترونية من مجلة «لانسيت» The Lancet الطبية، في النصف الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، أن العلاج بالإنسولين عن طريق الفم يؤثر بالإيجاب على بعض الفئات من مرضى السكري من النوع الأول؛ خصوصاً في بعض الأطفال المهيَّئين جينياً لحدوث المرض.

السكري من النوع الأول

التجربة التي قامت بها مجموعة من الباحثين، من معهد «هيلمهولتز» (Helmholtz) وكلية الطب بالجامعة التقنية بميونيخ في ألمانيا (Technical University of Munich)، تُعد تتويجاً لجهود بحثية استمرت أكثر من ثلاثين عاماً في علم المناعة والجينات، للوقاية من مرض السكري من النوع الأول.

من المعروف أن السبب الرئيسي لحدوث النوع الأول من مرض السكري، في الأغلب، يكون بسبب تفاعل مناعي؛ حيث يهاجم الجسم خلايا «بيتا» التي تفرز الإنسولين في البنكرياس، وتدمرها عن طريق الخطأ، ما يؤدي إلى عدم القدرة على التخلص من الكميات الزائدة من الغلوكوز والإصابة بالمرض.

وهناك بعض العوامل الأخرى التي ربما تساهم في حدوث المرض، وأهمها العامل الوراثي على وجه التحديد؛ لأن الأسباب البيئية المختلفة -مثل العدوى الفيروسية- لا تسبب المرض إلا في الأطفال المهيَّئِين جينياً لحدوثه.

وتُعد هذه الدراسة هي الأولى من نوعها على المستوى السريري، لتقييم مدى نجاح العلاج بالإنسولين عن طريق الفم، في التعامل مع مشكلات النوع الأول من المرض في الأطفال، وأهم هذه المشكلات الحفاظ على مستويات طبيعية من الغلوكوز في الدم، ومنع حدوث هبوط في السكر (hypoglycaemia)؛ لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى حدوث غيبوبة.

وقام العلماء أيضاً بتقييم كفاءة الإنسولين عن طريق الفم، في تأخير أو منع ظهور المضاعفات. وفي الأغلب حدثت المضاعفات الخطيرة للسكري -مثل مشكلات القلب والسكتة الدماغية- بشكل مبكر في النوع الأول من المرض؛ لأنه يبدأ في الطفولة في معظم الأحيان.

حاول الباحثون معرفة لأي مدى يمكن للعلاج عن طريق الفم تثبيط الأجسام المضادة لخلايا البنكرياس، وبالتالي منع التفاعلات المناعية، ما يعني إمكانية توفير الوقاية من المرض من الأساس في الأطفال المهيَّئِين جينياً.

الأطفال المهيَّؤون جينياً

ركزت الدراسة التي أُجريت على 1050 طفلاً، بدءاً من فبراير (شباط) 2018 وحتى يونيو (حزيران) 2024، على اختيار حديثي الولادة الأكثر عرضة للإصابة بالنوع الأول من مرض السكري، بنسبة تزيد على 10 في المائة، تبعاً لتحليل الجينات الخاصة بكل طفل من ذوي التاريخ العائلي للإصابة بالمرض. وشملت العينة 5 دول أوروبية (ألمانيا، وبولندا والسويد، وبلجيكا، والمملكة المتحدة)، لضمان تمثيل أكبر تنوع من أنماط المرض.

بعد ذلك، قام الباحثون بتقسيم الرضع الذين كانت أعمارهم تتراوح بين 4 و7 أشهر بشكل عشوائي، إلى مجموعتين متساويتين: المجموعة الأولى تناولت الإنسولين عن طريق الفم بجرعة يومية واحدة في الصباح، بينما تناولت المجموعة الثانية عقاراً وهمياً مماثلاً لشكل مسحوق الإنسولين من دون مادة فعالة.

كانت الجرعات التي استُخدمت صغيرة في البداية لتأخير ظهور المرض، في الأطفال الذين كانت نتائج أجسامهم المضادة الذاتية لخلايا البنكرياس إيجابية (ما يعني زيادة فرص إصابتهم بالمرض). ثم زادت الجرعات تدريجياً مع تقدم الأطفال في العمر.

أجرى الرُّضع المشاركون زيارات متابعة بعد 2 و4 و8 أشهر من بدء العلاج، وفي سن 18 شهراً، ثم كل 6 أشهر بعد ذلك حتى نهاية التجربة، وجُمعت الأجسام المضادة الذاتية لخلايا البنكرياس في عينات الدم في كل زيارة، وقِيسَت في معهد بحوث مرض السكري، وأيضاً قِيسَ مستوى سكر الدم قبل 10 دقائق، وبعد 30 و60 و120 دقيقة من تناول الدواء.

وأوضحت النتيجة الأولية ظهور جسمين مضادين ذاتيين أو أكثر لخلايا البنكرياس التي عُرفت بأنها أجسام مضادة ذاتية للخلايا المصنِّعة للإنسولين (IAA)، ما يعني أن تناول الإنسولين عن طريق الفم لم يكن فعالاً بشكل جيد خلال فترة الدراسة، ولكن على الرغم من أن النتيجة الأولية كانت سلبية، فإن التحليلات التي أُجريت للأطفال كشفت عن نتائج ثانوية واعدة.

أظهر الأطفال الذين تلقوا الإنسولين عن طريق الفم تأخراً واضحاً في تطور أعراض المرض سريرياً، مقارنة بالأطفال في مجموعة الدواء الوهمي. والجدير بالذكر أيضاً أن تأثير العلاج تباين باختلاف الجينات المهيِّئة للإصابة بالمرض في كل طفل.

إن اختلاف تأثير العلاج تبعاً للتغيرات الجينية، يشير إلى إمكانية الوقاية من المرض في المستقبل باستخدام الهندسة الوراثية، وعلى وجه التقريب كان لدى أكثر من نصف المشاركين متغيرات جينية تزيد من خطر الإصابة بالمرض، ولكن العلاج عن طريق الفم وفر الحماية من الإصابة بالسكري في كثير من هؤلاء الأطفال.

تُعد نتائج هذه التجربة إنجازاً علمياً كبيراً، على الرغم من أن الإنسولين عن طريق الفم لم يستطع علاج المرض. وذلك لأن كبسولات مسحوق الإنسولين نجحت بالفعل في تأخير حدوث التطور المعتاد لظهور المضاعفات الخطيرة للمرض، ما يعني أن المرض لن يؤثر بالسلب على الطفل بسبب حدوثه في مقتبل العمر.

وأوضح الباحثون أنهم بصدد استكمال الدراسة حتى يبلغ المشاركون سن الثانية عشرة، وذلك بناءً على النتائج المبشرة للتجربة، وقالوا إن الاستمرار في متابعة هؤلاء الأطفال، لفترة طويلة المدى، سوف يمكِّنهم من تقييم الآثار الجانبية للعلاج المبكر بالإنسولين بشكل حقيقي؛ خصوصاً أن معظم هؤلاء الأطفال سوف يصابون (في الأغلب) بمرض السكري بحلول سن 12 عاماً، وبالتالي توفر المتابعة لفترات طويلة رعاية مستمرة للأطفال المشاركين.

الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  5