• ×
admin

مجلس الوزراء والاهتمام البيئي

مجلس الوزراء والاهتمام البيئي

محمد شايع الشايع

شكل قرار مجلس الوزراء الموقر بالموافقة على إنشاء محميتي «الثقوب الزرقاء، ورأس حاطبة» البحريتين (بمستهدف 30×30)، علامة فارقة ورؤية فنية من القيادة، ووضوح مسار استراتيجية البيئة السعودية، وتثميناً عالياً من المقام السامي للجهود المبذولة من قبل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. وتأكيد لما يمثله عمل المركز في مسلك علمي ممنهج واستراتيجي، يعكس القرار نقل المملكة من مفاهيم الحماية التقليدية، إلى نهج علمي مرتبط بتنمية النظم الإيكولوجية، واستعادة التوازن البيئي، في بيئات فريدة وتنوع بيولوجي نادر يمثل نموذجاً للبيئة البحرية الجيولوجية الفريدة، حيث تحتوي على أكثر من 20 جزيرة غنية بالشعاب المرجانية، والإسفنج والأسماك، والدلافين والسلاحف البحرية، وموائل بحرية غنية وأشجار مانجروف وحشائش بحرية، تمثل ملاذاً أمناً للسلاحف البحرية والدلافين والمفترسات البحرية.

وجاء القرار نموذجاً جديداً للحوكمة البيئية في خضم التحولات البيئية الكبرى التي يشهدها العالم، فلم تعد حماية النظم البيئية خياراً، بل أصبحت ضرورة استراتيجية ترتبط ارتباطاً مباشراً بمفاهيم الأمن الغذائي، والتنوع الحيوي، والاستدامة البيئية، التي فتحت المجال للمهتمين والمتخصصين لمشاهدة القرار من منظور وزاوية لتأسيس خطة بيئية فارقة تُظهر مدى نضج النموذج السعودي في إدارة التنوع الإحيائي، وذلك من خلال إشراك فاعل للمجتمعات المحليّة، لتُسهم في تحقيق الأثر البيئي الإيجابي، من خلال الاقتصاد الأخضر والفرص المستقبلية. وربط المحميتين رأس حاطبة والثقوب الزرقاء بمفهوم الاقتصاد الأخضر، والسياحة البيئية، والبحث العلمي، والاستكشاف البحري، ويُنتظر بأن تنشط حول هاتين المحميتين كل هذه المجالات، مما يفتح فرصاً تنموية للمنطقة، وينقلها من «حِفظٍ وحماية» إلى «تنمية مستدامة». وما يميز هذا الإعلان ليس فقط المساحة أو الموقع الجغرافي أو تنوّع الكائنات، بل ما يحمله من دلالات سياسية وعلمية ومجتمعية تُشير إلى ثقة القيادة في المؤسسة البيئية الوطنية، ودورها المتنامي كذراع حيوي في تنفيذ التحولات البيئية المتوافقة مع «رؤية المملكة السعودية 2030»، وأهمية المجتمعات المحلية في دعم هذا التوجه، ليعكس مفهوماً حضارياً في الحماية، من «سياج وحفظ» إلى نظامٍ هندسي بيئي وإيكولوجي متكامل.

ومن المأمول أن تفتح هذه المحميات أبواب البحث العلمي، وبرامج التعليم البيئي، والسياحة المستدامة، وأن تتحول من «أماكن مغلقة عن الزوار» إلى «مساحات تعليمية واقتصادية حية»، لتصبح البيئة أداة لنهضة تُعبّر عن احترام وتقدير لدور البيئة في دعم مسيرة جودة الحياة. وحين تُعلن السعودية عن محميتين جديدتين بهذا المستوى، فالأمر أبعد من مجرد حدث عابر، بل هو سياسة، وهوية وطنية جديدة تتشكل، لتضع البيئة في قلب التنمية، لا على هامشها.

وجاء القرار مثمناً للمهنية العالية التي تتسم بها دراسات وبحوث المركز الوطني بهدف إشراك المجتمعات المحلية، وقاطني المناطق الساحلية والبرّية، في المسوحات، وفي مراقبة الأنشطة، وفي إدارة المحميّات مما يُعدّ تطوراً ملحوظاً في منهج الحفاظ على البيئة، وشهادة من المنظمات الدولية وتثميناً لجهود الحماية. لتنقل الشراكة من «التنفيذ» فقط، إلى خلق «ثقافة حماية» ترتبط بالهوية والموروث، مما يجعل حماية بيئة أمراً مستداماً، لا مشروعاً مرتبطاً بمشروع معين في فترة زمنية محددة. وبهذا يصبح الحفاظ على البيئة منصّة وطنية، لا مبادرة عرضية. بل أصبح عملاً ممنهجاً، يعتمد على تطوير خطط الأمن الحيوي، ورصد وتقييم دوري، وعمل مؤسسي مستدام.

وفي الختام نبارك للقيادة ولهيئة الخبراء، والمجلس الاقتصادي، ولوزير البيئة والمياه والزراعة، ورئيس المركز الوطني وفريق عمله، وكل من شارك ليجعل مواردنا وموروثنا البيئي تتحول من موارد مستنزفة، إلى نظام بيئي يُدار بحكمة.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  6