• ×
admin

الوحدة تُحفز سلوك البحث عن المكافأة لدى المراهقين

الوحدة تُحفز سلوك البحث عن المكافأة لدى المراهقين
حساسيتهم تدفعهم إلى بذل الجهود للحصول على الثناء

د. هاني رمزي عوض

كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة كامبريدج (The University of Cambridge) بالمملكة المتحدة، ونُشرت مطلع شهر سبتمبر (أيلول) من العام الحالي في مجلة علم نفس التواصل (the journal Communications Psychology)، عن أن المراهقين حساسون جداً لتجربة الوحدة، ما يدفعهم لبذل جهد كبير للحصول على الثناء والمكافأة بعد بضع ساعات فقط من عدم التفاعل الاجتماعي مع الآخرين.

بدائل سيئة للوحدة

وقال الباحثون إن هذا الشعور رغم كونه محفزاً قوياً للمراهقين للتفاعل الاجتماعي لكسر العزلة فإنه يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية عندما تكون فرص التواصل مع الآخرين محدودة، لأن الرغبة في الشعور بالمكافأة ربما تدفعهم للبحث عن بدائل سريعة التأثير. وفي الأغلب تكون سيئة، مثل تجربة تعاطي المواد المخدرة أو شرب الكحوليات، والقيادة بسرعة كبيرة، ما ينعكس بالسلب على صحتهم النفسية لاحقاً.

وأجرى الباحثون الدراسة على 40 مراهقاً من «كامبريدج»، تتراوح أعمارهم بين 16 و19 عاماً، يتمتعون جميعاً بعلاقات اجتماعية جيدة، وليس لديهم تاريخ سابق من مشكلات الصحة النفسية، وفي العموم لا يعانون الشعور بالوحدة بشكل واضح بالنسبة لفئتهم العمرية.

وقام العلماء بعمل اختبارات نفسية أولية للمشاركين لتحديد قدراتهم الأساسية على القيام بتجربة العزلة؛ حيث خضع كل مشارك لعدة جلسات بفاصل زمني لا يقل عن 24 ساعة. ومن الممكن أن تكون تلك التجارب النفسية مؤلمة جدّاً لبعض الأشخاص، وتُسبب لهم مشكلات نفسية.

وتضمنت إحدى الجلسات ما يصل إلى 4 ساعات من العزلة الاجتماعية التامة (عزل تام) لم يكن للمشاركين خلالها أي تفاعلات اجتماعية، سواء في الحياة الواقعية أو الافتراضية، في حين تضمنت جلسة أخرى ما يصل إلى 4 ساعات من العزلة الاجتماعية مع إمكانية التفاعلات الاجتماعية الافتراضية (عزل مع الوسائط) عبر حاسوب متصل بالإنترنت.

وجرى تحديد الحد الأدنى لمدة كل جلسة عزل بـ3 ساعات و30 دقيقة، والحد الأقصى بـ4 ساعات، ولم يتمكن المشاركون من التنبؤ بدقة بنهاية فترة العزل في أي من الجلستين. وعند بداية التجربة سلّم المشاركون هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، وكانت الغرفة تحتوي على مكتب، وكرسي، وثلاجة تضم أطعمة ومشروبات، وكانت مزودة بنافذة تسمح بدخول ضوء النهار، لكنها تمنع المشاركين من رؤية الآخرين خارج المبنى.

في أحد أيام العزل لم يتفاعل المشاركون اجتماعياً على الإطلاق، لكن في اليوم الآخر تمكنوا من التفاعل الاجتماعي الافتراضي عبر الحاسوب الموجود. ووجدت الدراسة أنه عند توفر التفاعل الاجتماعي الافتراضي، أمضى ما يقرب من نصف المشاركين أكثر من نصف وقتهم على الإنترنت في التواصل مع الآخرين، مستخدمين في الأغلب البرامج التي يوجد عليها الشباب، مثل «سناب شات» و«إنستغرام» وكذلك «واتساب» لمراسلة أصدقائهم.

الاندفاع نحو المكافأة

ووجدت الدراسة أن المشاركين أصبحوا أكثر تحفزاً لمشاهدة صور التفاعلات الاجتماعية الإيجابية بشكل عام، كما أقدموا على لعب ألعاب يمكنهم من خلالها اكتساب أرباح مالية بعد قضاء نحو 4 ساعات في العزل، كما أنهم كانوا أفضل في تعلُّم كيفية الحصول على المكافآت في الألعاب المختلفة أكثر من الأوقات التي لعبوا فيها الألعاب نفسها بعيداً عن العزل. وأفاد المراهقون بأنهم شعروا بوحدة أقل عند تفاعلهم افتراضياً عبر الإنترنت مع الآخرين أثناء العزل.

ولاحظ الباحثون أن المراهقين بذلوا جهداً أكبر لتحقيق المكاسب في الألعاب الإلكترونية أثناء فترة العزل الكامل، مقارنة بفترة العزل مع وجود وسائط التواصل؛ حيث شكّل التواصل الاجتماعي نوعاً من التعويض في الإحساس بالمكافأة. وهذا ما يُشير إلى أن الجهد المضاعف في محاولة الفوز في الألعاب يعد نوعاً من الهروب من الوحدة.

وقال الباحثون إن الدراسة أوضحت مدى حساسية المراهقين لفترات العزل القصيرة جداً. وأكدوا أن العزلة الاجتماعية تزيد بشكل ملحوظ من الرغبة لدى المراهقين للسعي وراء المكافآت، سواء كانت هذه المكافأة مزيداً من التواصل الاجتماعي أو الأرباح المادية أو أي شيء آخر.

وعلى الرغم من أن العزلة الاجتماعية دفعت المراهقين للتواصل المجتمعي، فإنها أدَّت إلى تغييرات نفسية سلبية مثل زيادة الشعور بالوحدة، والتوتر، والقلق، واعتلال المزاج، وتراجع التفكير الإيجابي.

ومن المعروف أن الدراسات الحديثة تُشير إلى أن شعور المراهقين بالوحدة قد تضاعف على مستوى العالم خلال العقد الماضي. فقد لفتت بعض هذه الدراسات إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب، لكن الباحثين أكدوا أن العديد من التغيرات الأخرى في المجتمع ربما تكون مسؤولة عن هذا الشعور، وأهمها المشكلات النفسية والضغوط المختلفة على المراهقين، وعلاقتهم بمحيطهم الاجتماعي، سواء الأسرة أو الأصدقاء.

وأوضح الباحثون أن التفاعل الاجتماعي احتياج إنساني أساسي، وأن غيابه يؤدي إلى الشعور بالوحدة. وحتى الآن لم تكن هناك تجارب كافية لمعرفة تأثير الوحدة على سلوك المراهقين، لأن معظم التجارب العلمية على أثار الوحدة تم إجراؤها على نماذج حيوانية.

وأشار العلماء إلى أهمية التعرف على المراهقين الذين يعانون الوحدة ومساعدتهم. وخلافاً للتصور العام فإن معرفة الشعور بالوحدة موضوع نفسي معقد جداً. على سبيل المثال هناك «وحدة مؤقتة» مثل تجربة العزل الاجتماعي في الدراسة الحالية. كما أن هناك «وحدة مزمنة» تعتمد على الشعور الداخلي للمراهق حتى في وجود حشد كبير من الناس، لذلك يجب أن يجري تقييم المراهق الذي يعاني الوحدة من خلال تقييم نفسي وعلاجه.

الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  4