• ×
admin

موسى ويوسف -عليهما السلام-

موسى ويوسف -عليهما السلام-

د. بكري معتوق عساس

إنَّ المقارنة بين قصتي نبي الله يوسف، ونبي الله موسى -عليهما السَّلام-، بديعة، تظهر عظمة القصص القرآنية التي تتداخل فيها الأحداث، وتتقاطع فيها العِبر.

في قصَّة يوسف لم تُذكر (أُمه)، وفي قصَّة موسى لم يُذكر (أبوه)، وكلاهما بدأت قصَّته في (مصر)، وكلاهما كان مفقودًا، وتم إلقاؤه، الأوَّل في (الجُبِّ)، والآخر في (اليَمِّ).

يوسف -عليه السَّلام- أُلقي في الجُبِّ بيد (إخوته)، قال تعالى: (وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ)، أمَّا سيدنا موسى -عليه السَّلامُ- فقد أُلقِى في اليَمِّ بيد (أُمِّه): ألقته أُمُّه في اليمِّ بأمر ربها، قال تعالى: (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي).

والشاهد هنا أنَّ بين كلمتي: (وَأَلْقُوهُ)، والثانية (فَأَلْقِيهِ)، نجد أنَّ الأُولى تحمل كميَّة من الحقد والحسد، بينما تحمل الكلمة الثانية: كميَّة من الحنان والرعاية؛ والسَّبب في ذلك أنَّ الأُولى من تدبير البشر، أمَّا الثانية فمِن تدبير ربِّ البشر.

كلاهما عاش في قصر ذي شأن، أُمُّ موسى كانت حزينةً على ابنها، وأبو يوسف كان حزينًا على ابنه؛ في القصر الذي سكن فيه موسى -عليه السَّلام-: كانت صاحبة القصر هِي مَن طلبتْ أنْ يتربَّى لديهَا، قال تعالى: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).

أمَّا القصر الذي عاش فيه يوسف -عليه السَّلامُ-: فإنَّ الزَّوج هو مَن طلب أنْ يتربَّى لديه، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا).

كانت زوجة صاحب قصر فرعون الذي عاش فيه موسى -عليهِ السَّلامُ-: مصدر أمان له، وفي المقابل كانت زوجة صاحب القصر الذي عاش فيه يوسف -عليه السَّلامُ-: مصدر أذى وقلق له.

تحدَّث القرآن عنهم عند بلوغهم الرشد، بصيغتين متشابهتين، فالخاصَّة بيوسف -عليهِ السَّلامُ- قال تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).

أمَّا صيغة موسى -عليهِ السَّلامُ-، فقال تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).

حكى القرآن عن مدى حزن أم موسى، فقال تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا)، وعن حزن والد يوسف، حكى عنه القرآن، قال تعالى: (يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ).

مَن قام بإلقاء يوسف -عليهِ السَّلامُ- في الجُبِّ إخوته، ووالده هو مَن طلب البحث عنه، وأرسل إخوته: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ)، وكانت بداية الفرج لأبي يوسف بلقاء ابنه: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ). بينما مَن بحث عن موسى -عليهِ السَّلامُ- هي والدته، التي أرسلت أخته: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ)، وكانت بداية الفرج لأم موسى بلقاء ولدها: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ). وأوحى الله -سبحانه- لأُمِّ موسى أنَّه سيردُّه لها، قال تعالى: (إِنَّا رَادًّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، كما أوحى الله -سبحانه- لأبي يوسف أنَّه سيرد له ابنه، قال تعالى: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ). وأصحاب القصر الذي عاش فيه موسى -عليهِ السَّلامُ- تصادم معهم وطاردوه، قال تعالى: (فَاتَّبِعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، أمَّا أصحاب القصر الذي عاش فيه يوسف -عليهِ السَّلامُ- تصالحوا معه، وقرَّبوه، قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ).

من هذه المقارنة، نجد أنَّ تدبير الله غالب على تدبير البشر، وأنَّ الفرج يأتي بعد الشِّدَّة.

المدينة
بواسطة : admin
 0  0  7