هل التكنولوجيا تقتل الإبداع ؟
هل التكنولوجيا تقتل الإبداع ؟
أسامة عبدالله زيتوني
كل شيء اليوم أصبح في متناول أيدينا من خلال التكنولوجيا التي أضحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.. فلم نعد نجد حرجا في استخدام محرك البحث والدخول على (جوجل ) للبحث عن أي معلومة صغيرة كانت أم كبيرة، فكلنا اليوم على اختلاف مواقعنا ومهامنا وأعمالنا ووظائفنا نعتمد اعتمادا شبه كلي على التكنولوجيا والتقنية ومشتقاتها، كالذكاء الاصطناعي وما يسمى بالشات جي بي تي وغيرها، بل وحتى تلميذ المدرسة إذا احتاج إلى موضوع تعبير - على سبيل المثال - فلم يعد بحاجة إلى التفكير، لأنه ببساطة يستطيع الدخول على أحد هذه البرامج والحصول على مادة جاهزة بطريقة سهلة وسريعة، ودون أن يكلف نفسه عناء التفكير والكتابة.. بل وحتى في مجال الأعمال أو المجال الأكاديمي، فقد استطاعت التكنولوجيا أن تعيد تشكيل طريقة التواصل من خلال المحاضرات أو الاجتماعات الافتراضية التي وفرت الراحة والكفاءة، ولكنها ما زالت تفتقر إلى العفوية التي تميز الحضور الجسدي والتفاعل الشخصي من خلال الإشارات غير اللفظية التي يمكن أن يكون لها دلالات عميقة.
ولا شك أن لهذا الاستخدام المفرط للتكنولوجيا العديد من الجوانب السلبية التي قد نغفل عنها، فالتقنية الحديثة التي أضحت متغلغلة في كل جانب من جوانب المجتمع ورغم فوائدها ومزاياها العديدة، فهي بلا شك تقتل فينا الإبداع بدلا من أن تعززه، وتحد من جانب التأمل والتفكير والابتكار بما تصنعه من فرص كبيرة لتعزيز الإشباع السريع والفوري لاحتياجاتنا المختلفة، والاستهلاك السلبي من خلال بناء حواجز تعيق إمكاناتنا الإبداعية وتحول بيننا وبين المشاركة الفعالة.
فمع هذا التدفق الهائل للمعلومات المتاحة بين أيدينا، لم نعد نجد حافزا للتفكير والتأمل والإبداع والابتكار، فتطبيقات الهاتف المحمول ومنصات التواصل الاجتماعي المتنوعة، أصبحت هي البديل الأمثل والمريح للحصول على نتائج جاهزة، ولكنها حتما وبشكل غير مباشر تشتت انتباهنا - دون أن نشعر - عن المساعي الإبداعية الهادفة.
إضافة إلى أن الاعتماد على التقنية بهذا الشكل غير المقنن سيؤدي إلى فقدان الخيال ويضعف من قدرتنا على التفكير خارج الصندوق وتجاوز حدود الإبداع والأصالة، وأيضا فإن هذا الاعتماد الكلي على برامج التصميم الرقمي والخوارزميات والقوالب الجاهزة، مثل برامج الكتابة والرسم والتأليف الموسيقي والمحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي وغيرها من البرامج قد تضفي طابعا متجانسا ومتشابها على النتاج الفني والأدبي وربما حتى العلمي، وتفقد الخصوصية التي يتميز بها الإبداع الإنساني.
والأخطر من كل ذلك فإن إغراق الساحة العلمية والأدبية والفنية بهذا الكم الهائل من المنتجات الجاهزة والصادرة من القوالب المعدة مسبقا من خلال الذكاء الاصطناعي والتطبيقات، كل ذلك قد يشعر المبدعين الحقيقين بالإحباط ويضعهم تحت ضغوطات كبيرة، ويشعرهم بعدم القدرة على مجاراة الواقع ومواكبة التوجهات، مما قد يدفع الكثير منهم للإحجام والتوقف عن متابعة شغفهم خوفا من عدم مقدرتهم على المنافسة في عالم تتحكم فيه التكنولوجيا.
ولست هنا ضد التكنولوجيا أو التقنية الحديثة، فبالرغم من كل هذه التحديات، إلا أنه من الضروري استغلال التقنية وتطويعها في مصلحة الإنسانية وتطوير مهارات البشر وليس الحد من إبداعهم، وفي اعتقادي بأن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال التوازن وعدم الإفراط وتبني نهج واعٍ واستخدام متزن للتكنولوجيا، وتنمية وتعزيز العادات الإيجابية التي تشجع على التفكير العميق والابتكار والاستكشاف والحفاظ على جوهر الإبداع ،البشري، فعلاقتنا بالتقنية هي التي تحدد تأثيرها على الجانب الإنساني وتعزيز الحركة الإبداعية بدلا من إعاقتها.
وبلا أدنى شك فإن التقنية تلعب دورا رئيسيا ومحوريا في تشكيل المشهد الإبداعي الحديث، ولكن مع ضرورة أن لا نترك الحبل على الغارب بالاستخدام المفرط للتقنية، وأن ندرك بأن ذلك قد يشكل تحديات جسيمة أمام تنمية الإبداع، مع أهمية تجاوز القيود التي تفرضها التكنولوجيا، لنتمكن من استعادة قدرتنا الفطرية على الابتكار والتعبير الفني في عالم رقمي متزايد.
عكاظ
أسامة عبدالله زيتوني
كل شيء اليوم أصبح في متناول أيدينا من خلال التكنولوجيا التي أضحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.. فلم نعد نجد حرجا في استخدام محرك البحث والدخول على (جوجل ) للبحث عن أي معلومة صغيرة كانت أم كبيرة، فكلنا اليوم على اختلاف مواقعنا ومهامنا وأعمالنا ووظائفنا نعتمد اعتمادا شبه كلي على التكنولوجيا والتقنية ومشتقاتها، كالذكاء الاصطناعي وما يسمى بالشات جي بي تي وغيرها، بل وحتى تلميذ المدرسة إذا احتاج إلى موضوع تعبير - على سبيل المثال - فلم يعد بحاجة إلى التفكير، لأنه ببساطة يستطيع الدخول على أحد هذه البرامج والحصول على مادة جاهزة بطريقة سهلة وسريعة، ودون أن يكلف نفسه عناء التفكير والكتابة.. بل وحتى في مجال الأعمال أو المجال الأكاديمي، فقد استطاعت التكنولوجيا أن تعيد تشكيل طريقة التواصل من خلال المحاضرات أو الاجتماعات الافتراضية التي وفرت الراحة والكفاءة، ولكنها ما زالت تفتقر إلى العفوية التي تميز الحضور الجسدي والتفاعل الشخصي من خلال الإشارات غير اللفظية التي يمكن أن يكون لها دلالات عميقة.
ولا شك أن لهذا الاستخدام المفرط للتكنولوجيا العديد من الجوانب السلبية التي قد نغفل عنها، فالتقنية الحديثة التي أضحت متغلغلة في كل جانب من جوانب المجتمع ورغم فوائدها ومزاياها العديدة، فهي بلا شك تقتل فينا الإبداع بدلا من أن تعززه، وتحد من جانب التأمل والتفكير والابتكار بما تصنعه من فرص كبيرة لتعزيز الإشباع السريع والفوري لاحتياجاتنا المختلفة، والاستهلاك السلبي من خلال بناء حواجز تعيق إمكاناتنا الإبداعية وتحول بيننا وبين المشاركة الفعالة.
فمع هذا التدفق الهائل للمعلومات المتاحة بين أيدينا، لم نعد نجد حافزا للتفكير والتأمل والإبداع والابتكار، فتطبيقات الهاتف المحمول ومنصات التواصل الاجتماعي المتنوعة، أصبحت هي البديل الأمثل والمريح للحصول على نتائج جاهزة، ولكنها حتما وبشكل غير مباشر تشتت انتباهنا - دون أن نشعر - عن المساعي الإبداعية الهادفة.
إضافة إلى أن الاعتماد على التقنية بهذا الشكل غير المقنن سيؤدي إلى فقدان الخيال ويضعف من قدرتنا على التفكير خارج الصندوق وتجاوز حدود الإبداع والأصالة، وأيضا فإن هذا الاعتماد الكلي على برامج التصميم الرقمي والخوارزميات والقوالب الجاهزة، مثل برامج الكتابة والرسم والتأليف الموسيقي والمحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي وغيرها من البرامج قد تضفي طابعا متجانسا ومتشابها على النتاج الفني والأدبي وربما حتى العلمي، وتفقد الخصوصية التي يتميز بها الإبداع الإنساني.
والأخطر من كل ذلك فإن إغراق الساحة العلمية والأدبية والفنية بهذا الكم الهائل من المنتجات الجاهزة والصادرة من القوالب المعدة مسبقا من خلال الذكاء الاصطناعي والتطبيقات، كل ذلك قد يشعر المبدعين الحقيقين بالإحباط ويضعهم تحت ضغوطات كبيرة، ويشعرهم بعدم القدرة على مجاراة الواقع ومواكبة التوجهات، مما قد يدفع الكثير منهم للإحجام والتوقف عن متابعة شغفهم خوفا من عدم مقدرتهم على المنافسة في عالم تتحكم فيه التكنولوجيا.
ولست هنا ضد التكنولوجيا أو التقنية الحديثة، فبالرغم من كل هذه التحديات، إلا أنه من الضروري استغلال التقنية وتطويعها في مصلحة الإنسانية وتطوير مهارات البشر وليس الحد من إبداعهم، وفي اعتقادي بأن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال التوازن وعدم الإفراط وتبني نهج واعٍ واستخدام متزن للتكنولوجيا، وتنمية وتعزيز العادات الإيجابية التي تشجع على التفكير العميق والابتكار والاستكشاف والحفاظ على جوهر الإبداع ،البشري، فعلاقتنا بالتقنية هي التي تحدد تأثيرها على الجانب الإنساني وتعزيز الحركة الإبداعية بدلا من إعاقتها.
وبلا أدنى شك فإن التقنية تلعب دورا رئيسيا ومحوريا في تشكيل المشهد الإبداعي الحديث، ولكن مع ضرورة أن لا نترك الحبل على الغارب بالاستخدام المفرط للتقنية، وأن ندرك بأن ذلك قد يشكل تحديات جسيمة أمام تنمية الإبداع، مع أهمية تجاوز القيود التي تفرضها التكنولوجيا، لنتمكن من استعادة قدرتنا الفطرية على الابتكار والتعبير الفني في عالم رقمي متزايد.
عكاظ