• ×
admin

تلوث المياه المعبأة

تلوث المياه المعبأة

أ.د. طلال علي زارع

تكتظ أسواقنا بأصناف مختلفة من المياه المعبأة، ومازالت أصناف منها نجهل عنها الكثير من حيث مصدرها وصلاحيتها وسلامتها ومطابقتها لمواصفات الجودة العالمية.. وقد أظهرت كثير من الدراسات أن بعض هذه الأصناف ما هي إلا عبارة عن مياه صنابير عادية لا تخلو من التلوث، وما تدعيه الشركات المصنعة من مميزات تتوفر فيها مثل أنها معدنية أو نقية أو صحية وغيرها، ما هي إلا أكاذيب! وإنها لا تطابق المعايير الدولية والمواصفات المسجلة عليها! ولا تستحق ما يدفعه المستهلك من مال لشرائها في عصر تفشت فيه أمراض تلوث المياه، مما يؤكد إلى الحاجة الملحة لوجود جهات مختصة لحماية المستهلك من الإدعاءات الكاذبة، من أهم واجباتها تقديم له المعلومات الموثوق بها على مدار الساعة، وتردع كل من تسول له نفسه بالإضرار بصحة المواطن وخداعه من أجل الحصول على المال بأي وسيلة! إن إشراك الرأي العام في الرقابة الذاتية وإطلاعه على الحقائق يؤدي إلى دفع الشركات المصنعة إلى التنافس في تحقيق الجودة والالتزام بالمعايير المطلوبة..

ففي الدول المتقدمة هناك اهتمام عظيم بثقافة الجودة التي أصبحت هي أساس الارتقاء الصناعي والقدرة على المنافسة في جميع المجالات، ولذلك تنشر باستمرار دوريات ومجلات متخصصة في هذه الدول نتائج العديد من الدراسات المحايدة المتعلقة بكل ما يستهلكه المواطن مع مقارنات بين المنتجات المحلية والمستوردة، ويشمل ذلك جميع السلع من صغيرها وكبيرها وأرخصها وأغلاها.. وتعتبر هذه الثقافة من الأسباب الرئيسية التي تحول دون دخول المنتجات الأقل جودة إلى أسواقها من أي مكان آخر، وهذا يفسر عجز كثير من صادرات دول العالم الثالث عن دخول أسواق أوروبا وأمريكا، لأنها بكل بساطة لا تلتزم بمعايير الجودة العالمية..

في العقد الحالي، ارتفع الاستهلاك العالمي للمياه المعبأة إلى حد كبير. وخلال العقد الماضي، ارتفع الاستهلاك العالمي للمياه المعبأة ووصل إلى 180 مليار لتر في السنة، من 78 مليار لتر قبل عقد من الزمان.. وتعتبر الولايات المتحدة أكبر سوق في العالم للمياه المعبأة في قوارير، ونحو 40 في المائة من المياه المعبأة التي تباع فيها هي عبارة عن مياه صنابير تمت تنقيتها. وإدارة مراقبة المواد الغذائية والمياه الأمريكية توجه دعوات من خلال شبكة الإنترنت، تشجع فيها الناس على "العودة إلى مياه الحنفيات" بعد تنقيتها.

وفي دراسة حديثة نشرت في نهاية 2007م أجراها جهاز حماية المستهلك في مصر أظهرت أن ستة أنواع من مياه الشرب المعبأة والمنتجة في مصر غير مطابقة للمواصفات القياسية بما يجعلها غير صالحة للاستهلاك، حيث توصلت إلى وجود بكتريا في ستة منها، ويصاب الآلاف في مصر بالفشل الكلوي كل عام فيما يرجع بشكل أساسي إلى الافتقار إلى مصدر يعتمد عليه لمياه الشرب النقية، ويعتقد معظم المصريين أن مياه الصنبور ملوثة وغير صحية.

وكشفت دراسة خليجية أن متوسط الاستهلاك الفردي للمياه المعبأة في دول مجلس التعاون الخليجي تعد من أعلى المعدلات في العالم، ويرجع ذلك إلى أربعة عوامل هي: طبيعة المناخ، وارتفاع درجات الحرارة، وعدم توافر المياه في كل المناطق بسبب التطور العمراني السريع، وارتفاع مستوى الدخل بالمقارنة مع دول العالم.
وأشارت إحصائية حديثة إلى تزايد عدد مصانع المياه المعبأة في الفترة الأخيرة بداخل المملكة. ونشرت صحيفة الاقتصادية في 2007م أن نحو 200 مركز لبيع المياه المعبأة في جدة غير مكتملة للاشتراطات الصحية، وذلك وفقاً لنتائج الجولات الرقابية وتحاليل العينات، التي تم سحبها من مراكز تعبئة المياه في محافظة جدة، وأكدت إغلاق عدد من مصانع المياه نتيجة المخالفات المتكررة وعدم مطابقتها الشروط الصحية، وأثبتت نتائج تحاليل العينات من تلك المصانع تلوثها بالبكتريا وارتفاع بعض الأيونات فيها مثل الكلور.. وقد خصصت الأمانة مختبراً لأخذ العينات من المصدر العمومي للمياه والخزانات وخط الإنتاج والمياه المعبأة لدراسة محتواها الجرثومي لحماية المستهلكين، وخاصة بعد عمليات التفتيش، والتي أثبتت تورط عدد من مصانع المياه في تسويق مياه ملوثة بالبكتريا..

وفي دراسة سابقة نشرت في جريدة الشرق الأوسط في ديسمبر 2005م أظهرت أن معظم المياه المعبأة غير مطابقة للمواصفات السعودية، ويعود ارتفاع نسبة المياه الملوثة للعمالة غير المتخصصة، وأوصت الدراسة التي أجراها عدد من المختصين في مركز أبحاث المياه حول جودة المياه المعبأة ومدى صلاحيتها للشرب وارتقائها إلى المواصفات القياسية لمياه الشرب، بإعادة النظر في النظم المتبعة في الإشراف والمراقبة على المنتج طالما أنه مرتبط بالصحة العامة. وبشكل عام فإن العبوات الصغيرة التي تنتجها المصانع الحديثة قد تكون مضمونة إلا أن العبوات الكبيرة عادة ما تحتوي على نسبة معادن عالية وبكتريا، كما أن هذه المصانع لا تجلب كوادر متخصصة في عملية التحليل وتعبئة المياه بل يكتفون باستخدام عمالة غير متخصصة، وتستخدم أجهزة وآلات قديمة متهالكة مما يتسبب في مضار صحية لا حصر لها منها تفشي أمراض الفشل الكلوي والكبد بين المستهلكين. وقد تم إصدار عدة تعاميم رسمية من وزارة الشؤون البلدية والقروية للأمانات والبلديات للتأكيد على تطبيق كافة الاشتراطات المطلوبة لهذا النشاط وغلق أي موقع مخالف لا تنطبق عليه الشروط، وبرغم ذلك تتكرر مخالفات مصانع المياه المعبأة، مما يؤكد ضرورة الاهتمام بتطبيق الغرامات ومضاعفتها بحق من تتكرر مخالفته مع بذل المزيد من الجهد في المتابعة لضمان سلامة منتج هذه المصانع.

لذا ينبغي التأكد من مطابقة مواصفات المياه المعبأة لمواصفات مياه الشرب المحلية والعالمية، ابتداء من اختيار مصدر المياه والنقل والتعبئة ومواد الأوعية والتخزين والتوزيع، حتى نضمن سلامة هذه المياه، ونسمح باستعمالها للشرب.. فيجب فضح جميع الشركات ومنها شركات المياه المعبأة المخالفة للمواصفات الدولية عن طريق إجراء الدراسات والأبحاث التي يقوم بها علماء وخبراء هدفهم إظهار الحقائق، ولا مجال بمقارنتها بما تدعيه الشركات المصنعة من أكاذيب، بالإضافة ينبغي على وسائل الإعلام المختلفة مساندة جهود المجتمع في الكشف عن هذه الأخطاء والعمل على القضاء عليها، ولا جدوى من الدفاع عن هذه الشركات والإعلان عن منتجاتها إذا كانت لا تهتم بصحة الإنسان وهدفها الربح المادي..

talzari@yahoo.com
الصحة والحياة talalzari.com
بواسطة : admin
 0  1  2284