• ×
admin

ارتفاع ضغط الدم... أبرز التحديات الصحية العالمية

ارتفاع ضغط الدم... أبرز التحديات الصحية العالمية
تقارير «الندوة السعودية العالمية العاشرة» للتوعية به وبمضاعفاته
ارتفاع ضغط الدم يؤدي إلى عجز القلب

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة

انطلقت، في المدينة المنورة، صباح يوم الخميس، فعاليات «الندوة السعودية العالمية العاشرة لارتفاع ضغط الدم» التي تستمر حتى نهاية يوم السبت. وهي حدث علمي مرموق يجمع نخبة من الخبراء، والباحثين، والممارسين الصحيين من داخل المملكة، وخارجها، تحت مظلة الجمعية السعودية لرعاية ضغط الدم، تعزيزاً للمعرفة، وتبادلاً للخبرات، وتوحيداً للجهود لمواجهة أحد أكثر التحديات الصحية انتشاراً، وتأثيراً على مستوى العالم.

الندوة العاشرة

ضمن حديثها إلى ملحق «صحتك» بالشرق الأوسط، أوضحت رئيسة الندوة الدكتورة نوال أحمد بصري، استشاري أمراض الكلى رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لرعاية ضغط الدم، أن هذه الندوة تأتي امتداداً لمسيرة علمية راسخة، وانطلاقاً من حرص السعودية على الريادة في الوقاية، والعلاج من أمراض القلب، والأوعية الدموية، وفي مقدمتها ارتفاع ضغط الدم الذي يمثل عامل خطر رئيساً للجلطات، وعجز القلب، والفشل الكلوي.

وأضافت أن الندوة تهدف إلى نقل أحدث المستجدات العلمية، وتمكين الممارسين الصحيين، وتعزيز البحث العلمي، ودعم السياسات الوقائية، وتوسيع الشراكات المؤسسية، وتسليط الضوء على الفئات عالية الخطورة، بالإضافة إلى رفع الوعي المجتمعي، وتعزيز تبنّي أنماط الحياة الصحية.

وتأمل الدكتورة نوال بصري الخروج بتوصيات عملية قابلة للتنفيذ تسهم في تحسين التشخيص، والعلاج، وتطوير السياسات الصحية الوطنية، ودعم برامج التدريب، وتعزيز دور المجتمع في الوقاية، وبناء قاعدة بيانات وطنية لرصد ضغط الدم، ومؤشراته الصحية، بما يحقق رؤية المملكة 2030 في تحسين جودة الحياة.

وبائيات ارتفاع ضغط الدم

أشار البروفسور سليمان عبد الله الشمّري، الأستاذ بكلية الطب جامعة الملك سعود واستشاري طب الأسرة وعضو الجمعية السعودية لرعاية ضغط الدم، إلى أن ارتفاع ضغط الدم يُعدّ من أبرز التحديات الصحية العالمية، حيث يُقدّر عدد المصابين به بنحو 1.4 مليار شخص، ويسهم في وقوع ما يزيد على 10 ملايين وفاة سنوياً، أي ما يمثل 55 في المائة من وفيات أمراض القلب، والأوعية الدموية حول العالم.

وأوضح أن ارتفاع ضغط الدم في المملكة يصيب نحو ثلث البالغين، حيث أظهرت مراجعة حديثة للدراسات بين عامي 2025–2023 أن:

- معدل الانتشار: 32.7 في المائة.

- معدل الوعي (بوجوده): 66 في المائة.

- معدل العلاج: 54 في المائة.

- معدل السيطرة الفعّالة: 44 في المائة.

وقد جاءت هذه الأرقام بعد اعتماد المعيار الحديث لقياس ضغط الدم التشخيصي (130/80ملم زئبق)، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة التشخيص، وانخفاض نسبة التحكم في الدول التي تبنّت هذا المقياس.

وبيّنت الدراسة وجود تحسّن تدريجي في الكشف، والعلاج نتيجة جهود التوعية، والتدريب، وتنظيم اللقاءات العلمية، مع تسجيل فروق واضحة بين المناطق تبعاً لاختلاف مستويات الوعي الصحي.

وأكد البروفسور الشمّري أهمية توحيد التعريف الوطني لارتفاع ضغط الدم بما يتوافق مع إرشادات الجمعية السعودية لارتفاع ضغط الدم، ومنظمة الصحة العالمية، إضافة إلى تعزيز المتابعة المنزلية، وتحسين الالتزام بالعلاج، والاستفادة من المنصات الرقمية، مثل «صحتي».

وخَلُص إلى أن واحداً من كل ثلاثة سعوديين بالغين يعاني من ارتفاع ضغط الدم، وأقل من نصفهم تمت السيطرة على ضغطهم، مشيراً إلى أن السيطرة ممكنة، وقابلة للتحقيق من خلال التعاون بين الطبيب، والمريض، والمجتمع، دعماً لأهداف رؤية المملكة 2030 في الحد من عبء الأمراض المزمنة.

كبار السن والأطفال

> ارتفاع ضغط الدم لدى كبار السن. أشار الدكتور حسام جنيد، استشاري الباطنة وضغط الدم، إلى أن ثلث البالغين بين سن 30-70 عاماً يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وترتفع النسبة إلى أكثر من 60 في المائة لدى من تجاوزوا سن الستين، ما يجعل هذه الفئة الأكثر عرضة للمضاعفات القلبية، والدماغية.

وبيّن أن التقدم في العمر يؤدي إلى فقدان تدريجي في مرونة الشرايين، وتصلّب جدرانها، وهو ما يرفع الضغط الانقباضي تحديداً، ويجعل السيطرة عليه أكثر تحدياً مقارنة بالمرضى الأصغر سناً. كما أن نمط الحياة غير الصحي -مثل التدخين، وقلة النشاط البدني، وزيادة الوزن، والاستهلاك المرتفع للملح- يسهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة.

وأوضح الدكتور جنيد أن التعامل مع ارتفاع الضغط لدى كبار السن يتطلب نهجاً علاجياً متوازناً يأخذ في الاعتبار التغيرات الفسيولوجية المرتبطة بالعمر، مؤكداً أهمية:

- البدء بجرعات دوائية منخفضة، لتفادي الهبوط المفاجئ في الضغط.

- رفع الجرعات تدريجياً وفق تحمل المريض، واستجابته.

- الانتباه لهبوط الضغط الانتصابي الذي يزداد شيوعاً لدى كبار السن (عند انتصاب القامة)، خاصة مع أدوية المدرات، وموسعات الأوعية.

- المتابعة المنتظمة لقياس الضغط، وتقييم الشوارد، ووظائف الكلى.

- تخفيف شدة الأهداف العلاجية لدى من تجاوزوا سن الثمانين، ولا سيما للمرضى الواهنين، لتقليل الآثار الجانبية المحتملة.

وختم الدكتور جنيد بالتأكيد على أهمية الفحوصات الدورية لدى كبار السن، والمتابعة المستمرة مع الطبيب، لضمان السيطرة على الأمراض المزمنة المرتبطة بارتفاع الضغط، وحماية هذه الفئة من المضاعفات التي يمكن الوقاية منها بالعلاج الصحيح، والمتابعة المنتظمة.

> ارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال. أوضحت الدكتورة إيمان نور الدين، استشارية أمراض الكلى لدى الأطفال، أن ارتفاع ضغط الدم عند الأطفال غالباً ما يكون صامتاً، لكنه قد يسبب مضاعفات خطيرة تمتد لمرحلة البلوغ إن لم يُكتشف مبكراً.

وبيّنت أن السمنة هي العامل الأبرز خلف زيادة الحالات في العقدين الماضيين، وأن الأسباب العضوية –وعلى رأسها أمراض الكلى– تُعدّ سبباً شائعاً لارتفاع الضغط عند الأطفال دون سن السادسة. كما أن القابلية الجينية عند البعض تلعب دوراً في الإصابة أيضاً. وأوضحت أن الوقاية من السمنة وعلاجها يساعدان بشكل كبير في الحد من المرض.

وأكدت أهمية مراجعة الطبيب عند وجود عوامل خطورة، مثل التهابات المسالك البولية المتكررة، والولادة المبكرة، وتأخر النمو الجنيني، وبعض أنواع المتلازمات الجينية، وانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، أو ظهور أعراض مثل الصداع، والغثيان، وتشوش الرؤية، والقيء، وألم في الصدر، وغيرها من الأعراض التي عادة ما تصاحب الارتفاع الشديد في ضغط الدم.

فشل القلب وأمراض الكلى

> ارتفاع ضغط الدم وفشل القلب. أوضح الأستاذ الدكتور طلال الزهراني، بروفسور أمراض القلب، أن ارتفاع ضغط الدم يمثل أحد الأسباب الرئيسة لفشل القلب، حيث يؤدي إلى زيادة العبء على القلب، وإلى تضخم البطين الأيسر، وتدهور تدريجي في وظيفة عضلة القلب.

وأوضح أن الاستراتيجيات الحديثة المبنية على الأدلة في علاج ارتفاع ضغط الدم لدى مرضى عجز القلب لا تقتصر على ضبط الضغط فقط، بل تشمل اختيار أدوية تُحسّن الأعراض، وتقلل معدلات الدخول للمستشفى، وتخفض معدل الوفيات.

> ارتفاع ضغط الدم وأمراض الكلى. أشار الدكتور بدر الحميد، استشاري أمراض الكلى، إلى أن أمراض الكلى المزمنة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بارتفاع ضغط الدم، إذ إن الضغط أحد أهم أسباب قصور الكلى، وفي الوقت نفسه يؤدي القصور الكلوي إلى مقاومة أكبر لضبط الضغط. كما أن معدلات الإصابة تتزايد بسبب عدة مشكلات صحية أخرى يأتي في مقدمتها مرض السكري، وأمراض الالتهابات المناعية، أو الأمراض الوراثية.

وأوضح أن واحداً من كل عشرة بالغين يعاني درجات من ضعف وظائف الكلى، وأن الكشف المبكر عبر تحليل البول، وقياس الكرياتينين، وتقدير معدل الترشيح الكبيبي، يمثل حجر الأساس لمنع تطور المرض، وتأخير الحاجة للغسيل الكلوي، أو زراعة الكلى.

وأكد أهمية دور الرعاية الأولية، وصحة المجتمع في توعية المرضى، والفئات عالية الخطورة. إن الكشف المبكر عن هذه المشكلة، ومعالجتها سيسهمان في تحسين جودة حياة المرضى، وتقليل العبء الصحي، والاقتصادي.

> الاكتشاف المبكر وتقييم الخطورة. أشار الدكتور عمار أبو زهيرة، استشاري طب الأسرة، إلى أن الاكتشاف المبكر لارتفاع ضغط الدم يمثل ركيزة أساسية للوقاية من مضاعفاته، نظراً لانتشاره الواسع، وكونه غالباً بلا أعراض، مما أكسبه وصف «القاتل الصامت». ويبرز هنا دور الرعاية الصحية الأولية في قياس الضغط بشكل روتيني، وتوعية المجتمع بنمط الحياة الصحي، وتنفيذ الحملات الاستقصائية، إضافة إلى متابعة أفراد أسرة المريض، لارتفاع احتمال إصابتهم.

وأوضح الدكتور أبو زهيرة أن تقييم خطر الإصابة بأمراض القلب يعدّ خريطة الطريق للقرارات العلاجية؛ إذ إن ارتفاع الضغط غالباً ما يترافق مع السمنة، والسكري، واضطرابات الدهون. وبالتالي يحدد مستوى الخطورة مدة تعديل نمط الحياة، واختيار العلاج الدوائي، وتوقيت البدء به، والهدف العلاجي المطلوب، وفترات المتابعة، ومدى الحاجة لإحالة المريض لاختصاصي القلب.

واختتم الدكتور أبو زهيرة بأن هذا الدور المتكامل للرعاية الأولية أساسي للحد من المضاعفات، والوفيات، ولتحسين جودة الحياة لدى المرضى.

الوقاية والتمكين الصحي

> أولاً: قياس ضغط الدم المنزلي. تحدثت الدكتورة إيمان معتوق السلمان، استشاري طب الأسرة ونائب رئيس الجمعية السعودية لرعاية ضغط الدم، عن أهمية قياس الضغط المنزلي، وأنه أصبح استثماراً في الصحة، وحماية من المضاعفات. وقد أظهرت الدراسات العلمية أن القياس المنزلي لضغط الدم يعتبر أكثر موثوقية من القياس في العيادة للتنبؤ بمخاطر الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، وأنه، من جانب آخر، يرسم صورة حقيقية عن مستويات ضغط الدم، ويزيد من الالتزام بالخطة الدوائية، والحماية من المضاعفات المستقبلية.

وأكدت أهمية:

- اختيار جهاز قياس ضغط معتمد للذراع.

- الراحة 5 دقائق قبل القياس، وإسناد الذراع في مستوى القلب، وتفادي الحركة، والكلام أثناء القياس.

- القياس صباحاً قبل الدواء، ومساءً قبل العشاء، لمدة أسبوع.

- تجنب الكافيين، والتدخين قبل القياس.

> ثانيًا: نمط الحياة الصحي ودوره في الوقاية. أشارت الدكتورة ندى عبد الرزاق الفرج، استشاري طب الأسرة، إلى أن تبنّي نمط حياة صحي يمثل الدرع الأول للوقاية من أمراض القلب، وارتفاع الضغط، ودعت إلى:

- النوم الكافي المنتظم.

- تناول وجبات متوازنة من الأطباق الصحية.

- تجنب استهلاك المنتجات فائقة التصنيع.

- تقليل الملح.

- زيادة النشاط البدني.

- الإقلاع عن التدخين.

- إدارة التوتر، أي تقليله.

- تعزيز العلاقات الاجتماعية.

وأوضحت أن هذه العادات تعيد التوازن الداخلي، وتقلل المضاعفات.


يسهم في حدوث 55 % من وفيات أمراض القلب والأوعية الدموية

> ثالثاً: التغلب على التحديات. أكدت الدكتورة سامية صديق صبر، استشاري طب الأسرة ورئيس قسم طب الأسرة، والرعاية المنزلية بمستشفى الأمير محمد بن عبد العزيز للحرس الوطني بالمدينة المنورة، أن أمراض النمط المعيشي –وفي مقدّمتها ارتفاع ضغط الدم– لم يستطع العالم تجاوزها بعد، وما زالت تستمر في الانتشار بصمت، لتحصد أرواح الملايين من مختلف الفئات العمرية، رغم التقدم الطبي الكبير في مجالات التشخيص، والعلاج.

وأوضحت أن ارتفاع ضغط الدم يمثل نموذجاً واضحاً لهذه التحديات، كونه مرضاً صامتاً يتفاقم تدريجياً دون أعراض واضحة، ويؤثر على القلب، والدماغ، والكلى، والأوعية الدموية، مما يجعل الجهود الوقائية والتوعوية خط الدفاع الأول.

ولفتت الدكتورة سامية إلى أن المؤتمرات العلمية تُعد منصة محورية لتعزيز هذه الجهود، إذ تتيح فرصاً واسعة لتبادل الخبرات بين المتخصصين، واستعراض أحدث المستجدات المبنية على الأدلة، وتمكين الباحثين من تقديم أوراقهم العلمية، ومناقشتها، بالإضافة إلى تنفيذ ورش عمل تدريبية ترفع من كفاءة الممارسين الصحيين في مجالات الوقاية، والتشخيص، والعلاج.

ختاماً، إن هذا الحراك العلمي المتجدد سوف يسهم في تطوير البروتوكولات الوطنية، وتوحيد المفاهيم، وبناء وعي صحي مستدام بين أفراد المجتمع، وهو خطوة استراتيجية مهمة نحو تحسين التشخيص، والعلاج، وتوحيد المعايير الوطنية، وأتمتة المتابعة عبر المنصات الرقمية، وبناء مجتمع واعٍ قادر على محاربة القاتل الصامت: ارتفاع ضغط الدم.

الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  5