• ×
admin

المدينة المنورة.. المتحف الجيولوجي

المدينة المنورة.. المتحف الجيولوجي

د. عبدالعزيز الجار الله

المدينة المنورة تدخل مرحلة جديدة من التنمية لكونها إحدى المدينتين المقدستين التي حظي المسجد النبوي برعاية واهتمام الدولة في: مشروع العمارة السعودية في المسجد النبوي. وأيضا مشروع رؤى المدينة المنورة، ومسجد قباء وهما ضمن مشاريع رؤية السعودية 2030 الرئيسة التي أعلنت عام 2016، وفي هذا الجانب تناولت وكالة (واس) تقريراً موسعاً عن جيولوجية المدينة المنورة ولأهميته سوف أذكر أبرز ما جاء في التقرير:

تُعد المدينة المنورة إحدى أقدم وأهم التكوينات الجيولوجية في شبه الجزيرة العربية، وتقع في قلب الإقليم الغربي من المملكة العربية السعودية، ضمن ما يُعرف بـ»الدرع العربي»، ويعود تاريخها إلى أزمنة جيولوجية سحيقة تعود إلى ما قبل العصر الكامبري، أي أكثر من (540) مليون سنة. ويبلغ متوسط ارتفاع المدينة عن سطح البحر ما بين (600) و(640) مترًا، مما يجعلها محاطة بمرتفعات طبيعية من معظم الجهات، باستثناء الشمال الغربي.

برزت المدينة المنورة كواحة زراعية خضراء عبر التاريخ، مستفيدة من خصوبة تربتها ووفرة مصادر المياه الجوفية والأودية الموسمية، واشتهرت في تُشكّل المعالم الجغرافية والجيولوجية المحيطة بها عنصرًا أساسيًا في هذه الخصوبة، وتسهم التكوينات الجبلية والرسوبيات الحديثة في إثراء التربة بالعناصر الطبيعية.

وتحيط بالمدينة مجموعة من الجبال البارزة، يأتي في مقدمتها جبل أحد، الواقع شمال المسجد النبوي الشريف على بُعد نحو (5.5) كم، الذي يُعد رمزًا طبيعيًا وتاريخيًا، ويبلغ ارتفاعه نحو (1077) مترًا عن سطح البحر، إلى الغرب من المسجد النبوي، تقع جبال الجماوات، (965) مترًا، ويظهر جبل جُمّة غرب المدينة، (944) مترًا، جبل سلع، شمال غرب المسجد النبوي، (681) مترًا، ويبرز جبل عير، كأحد المعالم البركانية البارزة، وتحيط به صخور البازلت، مما يشير إلى نشاط بركاني قديم أسهم في تشكيل بنيته، وجبل أم سالمة.

وتزخر المدينة المنورة بأنواع متعددة من الصخور التي تُعبّر عن مراحل جيولوجية متنوعة، ومن بين هذه الصخور ما يُعرف بـ»صخور القاعدة القديمة»، تعود إلى ما قبل العصر الكامبري، مما يدل على وجود نشاطات بركانية «صخور المحقونات الجوفية»، وهي عبارة عن حمم نارية مصهورة.

وتحيط بالمدينة ثلاث حرات بركانية ضخمة، تُعد من أبرز ملامحها الجيولوجية، وتعرف علميًا باسم «الصخور البركانية الحديثة»، وهي ناتجة عن تدفقات حمم بركانية بازلتية تعود إلى العصور الجيولوجية المتأخرة، وتغطي هذه الحرات أجزاء واسعة من المناطق المحيطة بالمدينة المنورة، وتحيط بالمدينة المنورة على شكل ذراعين يطوقانها الأول من جهة الشرق، ويعرف بالحرة الشرقية (حرة واقم)، ويطوقها الثاني من جهة الغرب، ويعرف باسم الحرة الغربية (حرة الوبرة). يذكر أن الحرة الغربية أوسع انتشارًا من الحرة الشرقية، تصل إلى شرق جبل عير. وتنتج هذه التكوينات عن النشاط البركاني القديم الذي أسهم في تشكيل البنية الطوبوغرافية للمنطقة.

الرسوبيات الحديثة أحد أبرز العناصر الجيولوجية في المدينة المنورة، وتُغطي الجزء الأكبر من أرضها مكونة حوضًا رسوبيًا، بمتوسط ارتفاع يبلغ نحو (625) مترًا عن سطح البحر، وتعود هذه الرسوبيات إلى عمليات الحتّ والتعرية التي تتعرض لها المرتفعات الجبلية المحيطة، وتم نقل معظمها إلى أرض المدينة عبر شبكة من الأودية الموسمية، التي تجري فيها المياه خلال مواسم الأمطار، جالبة معها كميات كبيرة من التربة والفتات الصخري.

ومن أشهر هذه الأودية وادي العقيق، ويلتقي بوادي قناة غرب جبل أحد، ويُعد من أقدم الأودية تاريخيًا وأكثرها أهمية، نظرًا لخصوبته ودوره في تغذية الأراضي الزراعية، يليه وادي قناة، الذي يمر شرق جبل أحد، ويمر وادي بطحان جنوب المدينة، غرب جبل سلع، بينما يلتقي وادي الرانوناء، مع بطحان عند قباء،أما وادي الحمض أطول الأودية يصب في البحر الأحمر. وتلعب هذه الأودية دورًا رئيسيًا في تشكيل الطبيعة الجيولوجية للمدينة، فهي تسهم في ترسيب طبقات من التربة الطينية والغرينية والرملية، وتُغذي الحوض الرسوبي بالمواد العضوية والمعدنية، مما يزيد خصوبته ويدعم الغطاء النباتي.

وعلى الصعيد الهندسي، تُعد الصخور المنتشرة في المدينة المنورة، وخصوصًا الصخور النارية مما يجعلها ملائمة للاستخدام في المنشآت الإنشائية الثقيلة وأعمال البنية التحتية.

والمدينة المنورة ليست فقط مركزًا دينيًا وتاريخيًا، بل تمثل كذلك متحفًا جيولوجيًا مفتوحًا يعكس تنوع الأرض وتاريخها الطويل، ويقدّم للباحثين والمهتمين فرصًا غنية لفهم العوامل الطبيعية التي أسهمت في تشكيل ملامحها على مر العصور.

• المصدر وكالة الأنباء السعودية/ المدينة المنورة.. إرثٌ جيولوجي يمتد إلى أعماق التاريخ/ 25 محرم 1447 هـ الموافق 20 يوليو 2025.

الجزيرة
بواسطة : admin
 0  0  7