• ×
admin

استعراض الثراء..!!

استعراض الثراء..!!

م . طلال القشقري

في عصرنا الحاضر، لم تعُدْ سُكْنى البيوت الفاخرة، ولا ركوب السيَّارات الفخمة، ولا استخدام الجوَّالات الفارهة، ولا ارتداء الساعات المُرصَّعة بالألماس، ولا امتلاك الطيَّارات واليخوت الخاصَّة، ولا السفر حول العالم في ثمانين يومًا، تُشْبِعُ طموح بعض أثريائنا، بل لا بُدَّ مع ذلك إثراء حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعيَّة بإبراز مظاهر ثرائهم فيها بالصوت والصورة حيًّا على الهواء، Live on air، لزيادة عدد مُتابعيهم للمليون، والمليونين، والعشرة ملايين، ومثله عدد (اللايكات)، ومثله عدد التعليقات، الخ... الخ... الخ...!. أنا أُسمِّي ذلك استعراضًا للثراء أمام الفقراء وذوي الدَّخل المحدود والمهدود، ممَّن يتفرَّجون على حسابات الأثرياء بحسرة، ويحلمون بحياة مثل حياتهم، فلا يجد جُلُّهم إنْ لم يكن كلُّهم، سوى ما بسط الله لهم من رزق أو قدره!. وفي مشاهدة الفقراء لهذا الاستعراض إيجابيَّة واحدة فقط، إذ -على الأقلَّ- يرون -مجَّانًا- أشياء لم يروها على الطبيعة من قبل، ويتعرَّفون على تفاصيل ودقائق الحياة الباذخة، ولو كان من خلف الشاشات!.

لكنَّ مشاهدتهم تشبه مشاهدة الذي يأتي لفترينة مطعم مشويات إسطنبولي، فيكتفي بشمِّ رائحتها الشهيَّة، ثمَّ يذهب في حال سبيله خاوي البطن؛ لخلوِّ جيبه من قيمتها الغالية، أو كالذي يرى في التلفزيون منظر بساتين خضراء مُحاطة بأنهار وجبال، فيلمس الشاشة كأنَّه يعيش وسط المنظر القريب منه، والبعيد في آنٍ واحد!. والأثرياء بهكذا استعراض، يوهمون الفقراء أنَّ حياتهم خالية من المشكلات، وأنَّ السعادة مرتبطة ارتباطًا جوهريًّا بالثراء، بينما قد تكون حياتهم قابعة في درك الشَّقاء، وأنَّ القروض الماليَّة تُهيمن على أعمالهم، وأنَّ الإفلاس خيار محتمل الوقوع، والخلافات المالية تُشتِّت أُسَرهم، أو هم يعيشون في فراغ عاطفيٍّ ونفسيٍّ لا يسدُّه استعراض ثراء في البرِّ، أو الجوِّ، أو البحرِ!. والأسوأ من الاستعراض هو تحوُّل بعض الأثرياء لفلاسفة تحفيز، فيتحدَّثون عن رحلة كفاحهم وعصاميتهم، بينما قد يكونون وارثين لجهود غيرهم، أو من أبواب ثراء خلفيَّة لا يعرفها عامَّة الناس، إلَّا مَن رَحِمَ ربِّي!.

ولو كان الأثرياء المُستعرضون لثرائهم مُنصفين؛ لوضعوا تحت كلِّ مقطع فيديو لهم في وسائل التواصل تحذيرًا مُلخَّصه أنَّ المقطع قد لا يُعبِّر عن الواقع!. ويا أمان الفقراء!.

المدينة
بواسطة : admin
 0  0  3