قضية الأعمار عند النساء
قضية الأعمار عند النساء
نبيلة حسني محجوب
كانوا يقولون: «إذا تخانقت النساء؛ لأنَّهن خضنَ في الأعمار»، بمعنى ترتفع الأصوات، ويزداد التوتر إذا قِيل مثلًا: فلانة أصغر من علَّانة، أو أكبر، هنا تحتدُّ مَن وُصِفَت بأنَّها الأكبر، وتحاول إثبات أنَّهما في نفس العمر، أو أنَّها الأصغر، وربما تقوم بينهما خصومة تؤدِّي إلى قطيعة، مع أنَّ الجيل الواحد لا تفرِّق بينه سنوات قليلة -زادت، أو نقصت-؛ لأنَّ بينهم مشتركات كثيرة، لا يمكن التغاضي عنها، مع ذلك، كيف تقنع النساء بأنَّ السنوات القليلة في الكِبر لا تعني شيئًا؛ لأنَّ الانتماء لجيل كامل قدره عقد من الزَّمان، لا يمثِّل فرقًا عمريًّا بين أبناء الجيل الواحد، «العقد يساوي عشرة أعوام».
كلَّما تقدَّمت الأجيال في مسيرتها على طريق العمر، تكون متقاربةً في الطباع والتفكير، ولديهم شراكة في الذكريات والعادات والتقاليد، وكثير من المظاهر الحياتيَّة التي عاشوا فيها.
النساء لديهنَّ حساسيَّة من إظهار أعمارهنَّ، لذلك يهرعنَ إلى عيادات التجميل بشكل شبه جماعيٍّ؛ لإخفاء خطوات الزَّمن على وجوههنَّ، لكنَّ الزَّمن لا يكفُّ عن المسير مهما حاول الإنسان إيقافه بعمليَّات تجميل، أو عن طريق اقتطاع سنوات منه، أو التظاهر بمرحلة غير المرحلة العمريَّة الحقيقيَّة.
لا شكَّ أنَّ الإنسان كلَّما تقدَّم به العمر؛ يحاول إخفاء بعض مظاهر الكِبر، كتغطية البياض الذي يزحفُ بطيئًا، أو سريعًا حتَّى يكلل الرأس، عن طريق الصبغات، وهذا حق طبيعي على رأي: «لا أكذبُ، ولكنِّي أتجمَّلُ».
لكنَّ حرص النساء على إخفاء العمر يبدو مرضيًّا، هكذا كنتُ أظنُّ حتَّى وقعتُ في موقفٍ شعرتُ بمنطقيَّة تضليل الأعمار عند النساء، فهنَّ يحرصنَ بشدَّة على عدم إعلان أعمارهنَّ إلَّا إذا اضطررنَ لذلك، مثلًا: عند الطبيب، أو عند استخراج وثائق رسميَّة، فإذا سُئلنَ عن أعمارهنَّ لا يمكنهنَّ الصمت، أو المراوغة، أو إنقاص بضع سنوات.
قبل سنوات طويلة، كنتُ حريصةً على إعلان عمري بفخر، لم أكنْ في حاجة إلى إخفائه، بل كنتُ أنتقد حساسيَّة النساء من سؤال العمر، حتَّى وجدتُ نفسي أمام موقفٍ لا يحتمل التغاضي عنه؛ عندما سألتني الممرِّضة بصوت مرتفع، سمعه كلُّ مَن كان جالسًا، أو قائمًا، أو مارًّا في تلك الردهة الصغيرة، «مدام كم عمرك؟»، شعرت بالحرج، وتوارى اعتزازي بعمري في تلك اللحظة، خصوصًا أنَّ سنوات عمري لا تظهر على شكلي.
الموقف الأسوأ واجهته مع حفيدي ذي سبع السنوات قبل أيام، حيث كنا في السيارة، وبدأ بطرح الأسئلة: ماذا تشتغلين؟ أخبرته أني لا أعمل، لكني أمارس الكتابة والنشاط الثقافي.. إيش يعني كتابة؟، حاولت أن أقرب له المعنى، فتحت موقع جريدة المدينة، وأريته إحدى مقالاتي.
هنا تجلت الحقيقة التي أحاول تجاهلها، قال بكل براءة: يا الله يا «أنَّا»، كنت مرة صغيرة، شوفي كيف صرتِ عجوزة مرة!.
طبعًا الصورة المنشورة لي، لها أكثر من عشرين عامًا، صوَّرها مُصوِّر النجوم في مصر «عادل مبارز»، حاولتُ جاهدةً التقاط صورة حديثة في عدَّة استوديوهات في مصر وهنا، لكن -للأسف- عندما أستلمها أقوم بتمزيقها ورميها في سلَّة المهملات.
لذلك لم أجرؤ على تغيير الصورة، رغم أنَّ عشرين عامًا كفيلة بتغيير الملامح، واستقرار التجاعيد الصغيرة على مساحة الوجه، والرقبة، واليدين، أو لأنَّ وجهي ليس صديقًا للكاميرا، أو أنَّ الكاميرات كلها حتَّى كاميرة الجوال لا تُحب وجهي، فالموضوع تحوَّل إلى عقدةٍ نفسيَّة ربما، أو فوبيا التصوير.
لم تنتهِ أسئلة الصَّغير؛ لأنَّ رُؤيته للصورة، وأنا بجواره على المقعد الخلفي، حرَّضت فضوله لمعرفة عمري.
كم عمرك يا «أنَّا»؟، حاولت المراوغة؛ لأنَّي لا أريد إعلان عمري أمام السائق، وكي لا يُصاب الصغير بصدمة، لكن صمتي ومراوغتي لم تثنهِ عن الإلحاح في السؤال.
أتذكَّر أنَّ ابنتي الصغرى عندما كانت صغيرة، كانت دُّ مَن بلغت الثلاثين امرأةً عجوزًا.
كنت أغضبُ منها؛ لأنِّي كنتُ تخطَّيت الأربعين قليلًا في ذلك الوقت!.
ذلك الموقف مع حفيدي، وضعني في مواجهة مع نفسي، لماذا خفت البوح بعمري لحفيدي؟ حتى لو أخفيتُ وصمتُّ وراوغتُ، العمر يمضي في طريقه، لكنَّه عمرٌ أنجزتُ فيه الكثير، مشحون بالخبرات والتجارب والمواقف والإنجازات، رغم الأحزان الكثيرة التي قضمت من عمري الكثير، إلَّا أنَّ أفراحًا كثيرة أضافت له الكثير.
المدينة
نبيلة حسني محجوب
كانوا يقولون: «إذا تخانقت النساء؛ لأنَّهن خضنَ في الأعمار»، بمعنى ترتفع الأصوات، ويزداد التوتر إذا قِيل مثلًا: فلانة أصغر من علَّانة، أو أكبر، هنا تحتدُّ مَن وُصِفَت بأنَّها الأكبر، وتحاول إثبات أنَّهما في نفس العمر، أو أنَّها الأصغر، وربما تقوم بينهما خصومة تؤدِّي إلى قطيعة، مع أنَّ الجيل الواحد لا تفرِّق بينه سنوات قليلة -زادت، أو نقصت-؛ لأنَّ بينهم مشتركات كثيرة، لا يمكن التغاضي عنها، مع ذلك، كيف تقنع النساء بأنَّ السنوات القليلة في الكِبر لا تعني شيئًا؛ لأنَّ الانتماء لجيل كامل قدره عقد من الزَّمان، لا يمثِّل فرقًا عمريًّا بين أبناء الجيل الواحد، «العقد يساوي عشرة أعوام».
كلَّما تقدَّمت الأجيال في مسيرتها على طريق العمر، تكون متقاربةً في الطباع والتفكير، ولديهم شراكة في الذكريات والعادات والتقاليد، وكثير من المظاهر الحياتيَّة التي عاشوا فيها.
النساء لديهنَّ حساسيَّة من إظهار أعمارهنَّ، لذلك يهرعنَ إلى عيادات التجميل بشكل شبه جماعيٍّ؛ لإخفاء خطوات الزَّمن على وجوههنَّ، لكنَّ الزَّمن لا يكفُّ عن المسير مهما حاول الإنسان إيقافه بعمليَّات تجميل، أو عن طريق اقتطاع سنوات منه، أو التظاهر بمرحلة غير المرحلة العمريَّة الحقيقيَّة.
لا شكَّ أنَّ الإنسان كلَّما تقدَّم به العمر؛ يحاول إخفاء بعض مظاهر الكِبر، كتغطية البياض الذي يزحفُ بطيئًا، أو سريعًا حتَّى يكلل الرأس، عن طريق الصبغات، وهذا حق طبيعي على رأي: «لا أكذبُ، ولكنِّي أتجمَّلُ».
لكنَّ حرص النساء على إخفاء العمر يبدو مرضيًّا، هكذا كنتُ أظنُّ حتَّى وقعتُ في موقفٍ شعرتُ بمنطقيَّة تضليل الأعمار عند النساء، فهنَّ يحرصنَ بشدَّة على عدم إعلان أعمارهنَّ إلَّا إذا اضطررنَ لذلك، مثلًا: عند الطبيب، أو عند استخراج وثائق رسميَّة، فإذا سُئلنَ عن أعمارهنَّ لا يمكنهنَّ الصمت، أو المراوغة، أو إنقاص بضع سنوات.
قبل سنوات طويلة، كنتُ حريصةً على إعلان عمري بفخر، لم أكنْ في حاجة إلى إخفائه، بل كنتُ أنتقد حساسيَّة النساء من سؤال العمر، حتَّى وجدتُ نفسي أمام موقفٍ لا يحتمل التغاضي عنه؛ عندما سألتني الممرِّضة بصوت مرتفع، سمعه كلُّ مَن كان جالسًا، أو قائمًا، أو مارًّا في تلك الردهة الصغيرة، «مدام كم عمرك؟»، شعرت بالحرج، وتوارى اعتزازي بعمري في تلك اللحظة، خصوصًا أنَّ سنوات عمري لا تظهر على شكلي.
الموقف الأسوأ واجهته مع حفيدي ذي سبع السنوات قبل أيام، حيث كنا في السيارة، وبدأ بطرح الأسئلة: ماذا تشتغلين؟ أخبرته أني لا أعمل، لكني أمارس الكتابة والنشاط الثقافي.. إيش يعني كتابة؟، حاولت أن أقرب له المعنى، فتحت موقع جريدة المدينة، وأريته إحدى مقالاتي.
هنا تجلت الحقيقة التي أحاول تجاهلها، قال بكل براءة: يا الله يا «أنَّا»، كنت مرة صغيرة، شوفي كيف صرتِ عجوزة مرة!.
طبعًا الصورة المنشورة لي، لها أكثر من عشرين عامًا، صوَّرها مُصوِّر النجوم في مصر «عادل مبارز»، حاولتُ جاهدةً التقاط صورة حديثة في عدَّة استوديوهات في مصر وهنا، لكن -للأسف- عندما أستلمها أقوم بتمزيقها ورميها في سلَّة المهملات.
لذلك لم أجرؤ على تغيير الصورة، رغم أنَّ عشرين عامًا كفيلة بتغيير الملامح، واستقرار التجاعيد الصغيرة على مساحة الوجه، والرقبة، واليدين، أو لأنَّ وجهي ليس صديقًا للكاميرا، أو أنَّ الكاميرات كلها حتَّى كاميرة الجوال لا تُحب وجهي، فالموضوع تحوَّل إلى عقدةٍ نفسيَّة ربما، أو فوبيا التصوير.
لم تنتهِ أسئلة الصَّغير؛ لأنَّ رُؤيته للصورة، وأنا بجواره على المقعد الخلفي، حرَّضت فضوله لمعرفة عمري.
كم عمرك يا «أنَّا»؟، حاولت المراوغة؛ لأنَّي لا أريد إعلان عمري أمام السائق، وكي لا يُصاب الصغير بصدمة، لكن صمتي ومراوغتي لم تثنهِ عن الإلحاح في السؤال.
أتذكَّر أنَّ ابنتي الصغرى عندما كانت صغيرة، كانت دُّ مَن بلغت الثلاثين امرأةً عجوزًا.
كنت أغضبُ منها؛ لأنِّي كنتُ تخطَّيت الأربعين قليلًا في ذلك الوقت!.
ذلك الموقف مع حفيدي، وضعني في مواجهة مع نفسي، لماذا خفت البوح بعمري لحفيدي؟ حتى لو أخفيتُ وصمتُّ وراوغتُ، العمر يمضي في طريقه، لكنَّه عمرٌ أنجزتُ فيه الكثير، مشحون بالخبرات والتجارب والمواقف والإنجازات، رغم الأحزان الكثيرة التي قضمت من عمري الكثير، إلَّا أنَّ أفراحًا كثيرة أضافت له الكثير.
المدينة