الجامعة والذكاء الاصطناعي: من يقود من؟
الجامعة والذكاء الاصطناعي: من يقود من؟
أ.د. محمد رشاد بن حسن مفتي
في زمن تتسارع فيه التقنية بشكل مذهل، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرَّد فكرة مستقبليَّة، بل أصبح واقعًا يفرض حضوره في تفاصيل حياتنا اليوميَّة. من التطبيقات التي نستخدمها في هواتفنا، إلى السيارات والخدمات الطبيَّة، أصبح هذا الذكاء يحاكي الإنسان في التفكير والتفاعل. واليوم، بدأ يتسلل إلى إحدى أقدم وأهم المؤسسات في المجتمع: الجامعة.
في كتاب صدر مؤخَّرًا بعنوان «مستقبل التعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي»، يستعرض الكاتب ستيفن مورغاترويد، التغيُّرات التي قد تحدث في الجامعات؛ نتيجة هذا التطوُّر. يوضَّح أنَّ الذكاء الاصطناعي لن يُلغي دور الجامعة، لكنَّه سيغيِّر شكلها وطريقة عملها بشكل كبير. فقد أصبح من الممكن أنْ يقوم برنامج ذكي بشرح الدروس للطلاب، وتصحيح الواجبات، وحتى متابعة تقدُّم كل طالب، واقتراح ما يحتاجه ليطوِّر نفسه. هذه التحوُّلات تبدو جذَّابة، لكنَّها تطرح أسئلة عميقة عن دور المعلِّم، وعن العلاقة بين الطالب والجامعة، وعن مصير التجربة التعليميَّة إذا أصبحت تعتمد بشكل كبير على الآلة.
الكاتب لا يدعو إلى رفض الذكاء الاصطناعي، بل يدعو إلى استخدامه بعقل وحذر. يؤكِّد أنَّ الجامعة ليست مجرَّد مكان لحفظ المعلومات، بل هي مساحة لصقل الشخصيَّة وتعلُّم التفكير والنقاش والاستقلاليَّة. لذلك، يجب أنْ يبقى الإنسان في قلب العمليَّة التعليميَّة، مهما تطوَّرت الأدوات.
أمَّا في المملكة العربيَّة السعوديَّة، فإنَّ هذا النقاش يأتي في وقت مهم، حيث تسعى الجامعات إلى التحديث والتحوُّل ضمن أهداف رُؤية 2030. وقد بدأت بعض الجامعات السعوديَّة فعلًا في إنشاء مراكز وبرامج لأنظمة الذكاء الاصطناعيِّ، بل وتدريس تخصصات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي. لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في إدخال التقنية، بل في كيفية إدارتها ضمن مشروع تعليمي وطني يحافظ على جوهر التعليم، ويجعل الذكاء الاصطناعي وسيلة لتعزيز التعلم وليس استبداله.
الذكاء الاصطناعي يمكن أنْ يكون فرصة ذهبيَّة إذا تم التعامل معه بوعي. فهو قادر على تقليل العبء على المعلِّمين، وتقديم تجارب تعليميَّة مخصصة لكل طالب، وتسهيل الوصول إلى المعرفة. لكنَّ النجاح لا يتحقق بالتقنية وحدها، بل بفكرٍ تربويٍّ ناضجٍ، وقيادةٍ جامعيَّةٍ تمتلك رُؤيةً واضحةً، ومجتمعٍ أكاديميٍّ لا يخشى التغيير، بل يقوده.
الجامعات أمام مفترق طرق: إمَّا أنْ تستخدم الذكاء الاصطناعي لتطوير رسالتها، أو أنْ تتركه يفرض عليها واقعًا جديدًا قد لا تكون مستعدَّة له. والسؤال الحقيقي اليوم: ماذا سيحدث للجامعات؛ بسبب الذكاء الاصطناعي؟ بل مَن سيقود الآخر؟ الجامعة أم التقنية؟
المدينة
أ.د. محمد رشاد بن حسن مفتي
في زمن تتسارع فيه التقنية بشكل مذهل، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرَّد فكرة مستقبليَّة، بل أصبح واقعًا يفرض حضوره في تفاصيل حياتنا اليوميَّة. من التطبيقات التي نستخدمها في هواتفنا، إلى السيارات والخدمات الطبيَّة، أصبح هذا الذكاء يحاكي الإنسان في التفكير والتفاعل. واليوم، بدأ يتسلل إلى إحدى أقدم وأهم المؤسسات في المجتمع: الجامعة.
في كتاب صدر مؤخَّرًا بعنوان «مستقبل التعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي»، يستعرض الكاتب ستيفن مورغاترويد، التغيُّرات التي قد تحدث في الجامعات؛ نتيجة هذا التطوُّر. يوضَّح أنَّ الذكاء الاصطناعي لن يُلغي دور الجامعة، لكنَّه سيغيِّر شكلها وطريقة عملها بشكل كبير. فقد أصبح من الممكن أنْ يقوم برنامج ذكي بشرح الدروس للطلاب، وتصحيح الواجبات، وحتى متابعة تقدُّم كل طالب، واقتراح ما يحتاجه ليطوِّر نفسه. هذه التحوُّلات تبدو جذَّابة، لكنَّها تطرح أسئلة عميقة عن دور المعلِّم، وعن العلاقة بين الطالب والجامعة، وعن مصير التجربة التعليميَّة إذا أصبحت تعتمد بشكل كبير على الآلة.
الكاتب لا يدعو إلى رفض الذكاء الاصطناعي، بل يدعو إلى استخدامه بعقل وحذر. يؤكِّد أنَّ الجامعة ليست مجرَّد مكان لحفظ المعلومات، بل هي مساحة لصقل الشخصيَّة وتعلُّم التفكير والنقاش والاستقلاليَّة. لذلك، يجب أنْ يبقى الإنسان في قلب العمليَّة التعليميَّة، مهما تطوَّرت الأدوات.
أمَّا في المملكة العربيَّة السعوديَّة، فإنَّ هذا النقاش يأتي في وقت مهم، حيث تسعى الجامعات إلى التحديث والتحوُّل ضمن أهداف رُؤية 2030. وقد بدأت بعض الجامعات السعوديَّة فعلًا في إنشاء مراكز وبرامج لأنظمة الذكاء الاصطناعيِّ، بل وتدريس تخصصات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي. لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في إدخال التقنية، بل في كيفية إدارتها ضمن مشروع تعليمي وطني يحافظ على جوهر التعليم، ويجعل الذكاء الاصطناعي وسيلة لتعزيز التعلم وليس استبداله.
الذكاء الاصطناعي يمكن أنْ يكون فرصة ذهبيَّة إذا تم التعامل معه بوعي. فهو قادر على تقليل العبء على المعلِّمين، وتقديم تجارب تعليميَّة مخصصة لكل طالب، وتسهيل الوصول إلى المعرفة. لكنَّ النجاح لا يتحقق بالتقنية وحدها، بل بفكرٍ تربويٍّ ناضجٍ، وقيادةٍ جامعيَّةٍ تمتلك رُؤيةً واضحةً، ومجتمعٍ أكاديميٍّ لا يخشى التغيير، بل يقوده.
الجامعات أمام مفترق طرق: إمَّا أنْ تستخدم الذكاء الاصطناعي لتطوير رسالتها، أو أنْ تتركه يفرض عليها واقعًا جديدًا قد لا تكون مستعدَّة له. والسؤال الحقيقي اليوم: ماذا سيحدث للجامعات؛ بسبب الذكاء الاصطناعي؟ بل مَن سيقود الآخر؟ الجامعة أم التقنية؟
المدينة