• ×
admin

النموذج الغربي لم يعد مثالياً.. والتعلق به نظرية آيلة للسقوط

النموذج الغربي لم يعد مثالياً.. والتعلق به نظرية آيلة للسقوط

د. علي الخشيبان

مجتمعاتنا سوف تواجه التحديات أمام الانتشار الهائل لمنظومة القيم الغربية التي تفتح الباب على مصراعيه للترويج للحرية الفردية، وهي مصيدة سياسية واجتماعية وثقافية خطيرة يمكنها أن تدمر المجتمعات وتحوّلها إلى متعاطٍ شره للأفكار المستوردة..

في فترة السبعينات حصل النموذج الغربي أو الأميركي تحديداً على موقع حضاري استطاع أن يكون النموذج المثالي الوحيد والمتفرد في العالم من حيث شموليته السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الفكرية، فكان كل تطور مهما كان نوعه أو شكله يجلب من أميركا تحديداً، وهذا ما جعل أميركا تمثل دولة الأحلام لكل الشعوب، فأميركا استطاعت أن تعزز هيمنتها في النظام السياسي الدولي وأنتجت نظاماً عالمياً يتوافق مع أهدافها الاستراتيجية ويزيد من تعاظم قوتها السياسية والعسكرية، وسعت إلى أن تكون المتحكم الاستراتيجي في مناطق العالم والمؤثر الوحيد في النظام الدولي.

هذه حقيقة أميركا التي لم يطرأ عليها أي تغيير إلا بعد دخول البشرية في القرن الحادي والعشرين، فكانت أحداث سبتمبر 2001م منعطفاً مهماً في صياغة أميركا مختلفة أصبحت تستثمر بشكل سلبي قوتها العسكرية وثروتها الاقتصادية ومعرفتها، أحداث سبتمبر غيرت النكهة الأميركية العالمية وحولتها دولة مختلفة تتعامل وفق منظور الحروب الاستباقية والانفراد بالقرار وهو ما ساهم بشكل فعلي في بداية تدهور صورة أميركا في العالم والشرق الأوسط وأفغانستان والقرن الأفريقي وحالياً في أوكرانيا.

السؤال المطروح مرتبط بالكيفية التي يجب على دولنا العربية أن تتعامل به مع مفاهيم مخيفة تطرحها منظومة الأخلاق في النموذج الغربي الذي ينتهي بنا نموذجه المثالي إلى طريق مسدود في مسار الأخلاق، فما يحدث في العالم اليوم من انقلاب في موازين ومعايير القيم الأخلاقية هو أكثر خطورة من الغزو المباشر وحتى احتلال الأرض، هناك أيضاً سؤال آخر يقلقلنا جميعاً وهو مرتبط بقدرة قيمنا وأخلاقنا المجتمعية المحلية على مقاومة هذا السيل الهائل من الفساد القيمي الذي تضخه المجتمعات الغربية إلينا من خلال فكرة حقوق الإنسان وحرياته، وهي فكرة أثبتت أنها مخادعة للجميع رواها لنا الغرب بطريقته الخاصة التي لا يمكن أن تتناسب وقيمنا وعقائدنا.

إذا كان العالم قد عانى من السياسات الأميركية المتقلبة في الشرق الأوسط والعالم كله فهناك معاناة جديدة تضاف اليوم وتتمثل في الارتباك القائم في كيفية مواجهة القيم السائلة التي يروج لها الغرب كجزء من الحريات البشرية التي تهدف في النهاية إلى تفريغ الإنسان من محتواه البشري وتحويله إلى فراغ روحي وعاطفي يغير من طباعة البشرية إلى طباع استهلاكية خارجية وداخلية يتم التحكم بمنظومتها القيمية من خلال أدوات فكرية أو تقنية.

ليس هذا تشاؤماً فكرياً بقدر ما هو محاولة جادة لتبني نزعة ثقافية محلية للمجتمعات الراغبة في بناء سدود حول قيمها الأخلاقية ومعاييرها الإنسانية التي تستمدها من واقعها، ولعل المفارقة العجيبة أن جميع الأديان بلا استثناء -السماوي منها وغير السماوي- تحارب فكرة السيلان الأخلاقي السلبي الذي ينتشر في الغرب اليوم، وهذا ما يستوجب أن نطرح فكرة الفساد الأخلاقي كقضية ونناقشها عبر وسائلنا، لأن مخاطر عدم الخوض في هذه القضايا الطارئة على مجتمعاتنا سيشكل خطراً مضاعفاً قد تدفعه الشعوب والحكومات مستقبلاً.

الكتاب الشهير لأستاذ السياسة الفرنسي (فيليب بينتون) والذي كان عنوانه (الاختلال الأخلاقي للغرب) طرح من خلاله كيف أن المجتمعات الغربية قيدت شعوبها بقيود لا تستطيع التخلص منها، وتقوم هذه القيود على فكرة خطيرة يمنح من خلالها الفرد الغربي سلطة على نفسه، بحيث يتم إغراؤه بالحريات ويتم استدراجه تحت مفهوم خطير بأنه صار مستقلاً ومتحرراً من أي عوائق سماوية أو أرضية تكبح جماحه، ماذا كانت النتيجة لكل هذا؟ ما نشهده اليوم من انحراف خطير في منظومة القيم في الغرب خاصة، هو نتيجة طبيعية لجعل الفرد الذي هو جزء من مجتمع كامل ويندمج معه يقرر ماذا يريد خارج منظومة المجتمع، ما يعني تفكك المجتمع وانهياره وتسرب القيم الإيجابية خارج منظومة المجتمعات.

مجتمعاتنا سوف تواجه التحديات أمام الانتشار الهائل لمنظومة القيم الغربية التي تفتح الباب على مصراعيه للترويج للحرية الفردية، وهي مصيدة سياسية واجتماعية وثقافية خطيرة يمكنها أن تدمر المجتمعات وتحولها إلى متعاطٍ شره للأفكار المستوردة، لذلك فإن الإشكاليات والأسئلة الكثيرة حول هذه القضية والتي تصب في ذات المسار يجب أن تعيد اهتمام المجتمعات فيما أسميه (نظريات النزعة الثقافية)، بحيث يتم الاتفاق على منظومة القيم للمجتمع وطرحها للتداول عبر كل الوسائل وجعلها قيماً راسخة تستمد من أصول الثقافة المجتمعية عناوينها وتتجاوز الأخطاء وترسم مسيرة المجتمع، ومثل هذه النظرية سوف تخلق استقراراً في الحوار المجتمعي وتطوراً من مسارات التصدي لما يجري في العالم من انهيار أخلاقي خطير قد تدفع جميع مجتمعات العالم ثمن عدم التصدي له.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  39