• ×
admin

احتجاز الكربون واستخدامه.. سوق تدرّ مئات مليارات الدولارات وتخفّض الانبعاثات

احتجاز الكربون واستخدامه.. سوق تدرّ مئات مليارات الدولارات وتخفّض الانبعاثات

عبد الهادي نجّار

يمثّل احتجاز الكربون وتخزينه إحدى استراتيجيات تخفيف الاحتباس الحراري التي تبنّتها الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ لخفض غازات الدفيئة في الجو. وتعتمد تقنيات الاحتجاز على التقاط الكربون من المداخن والهواء المحيط؛ خصوصاً في المصانع ومحطات إنتاج الطاقة، ثم ضخّه في عمق الأرض لتخزينه بشكل دائم. ومنذ سبعينات القرن الماضي حتى اليوم جرى تشغيل 27 مرفقاً لاحتجاز الكربون في جميع أنحاء العالم، وهي تخزّن نحو 36 مليون طن من الكربون سنوياً.

هذا العام، وللمرة الأولى، أضافت الهيئة الحكومية المعنية بتغيّر المناخ إلى قائمة خياراتها في خفض الانبعاثات «تدوير الكربون»، أي احتجازه واستخدامه في صنع مواد جديدة، وعدم الاكتفاء بتخزينه فقط. ويقوم هذا الحل على التقاط الكربون، ثم دمجه في المنتجات الحاوية على الكربون، مثل الإسمنت ووقود الطائرات والمواد الخام المستخدمة في صناعة البلاستيك.

- سوق واعدة وريادة سعودية

لا تزال مبادرات احتجاز الكربون واستخدامه في بداياتها من حيث التطوير والتسويق. ويمكن في حال انتشارها على نحو تجاري واسع أن تقلل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري السنوية بمقدار 20 مليار طن سنة 2050، أي أكثر من نصف الانبعاثات العالمية الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري حالياً.

ولا يُعدّ استخدام ثاني أكسيد الكربون في المنتجات بالأمر الجديد، فهو يُضاف إلى المياه والمشروبات لجعلها فوّارة غازيّة، ويساعد في الحفاظ على الأطعمة مجمّدة كما في حالة الثلج الجاف، ويدخل في عمليات تحويل الأمونيا إلى أسمدة اليوريا. والجديد هو التركيز على صنع منتجات باستخدام ثاني أكسيد الكربون كاستراتيجية لإبطاء تغيّر المناخ.

وكانت شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) وشركة «سابك» للمغذّيات الزراعية، قد حصلتا قبل أشهر قليلة على أول شهادات اعتماد في العالم لمنتجات الهيدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء. ويُصنّف الهيدروجين بالأزرق والأمونيا بالزرقاء عند استخلاص جزء كبير من ثاني أكسيد الكربون المرتبط بعملية التصنيع واستخدامه في أعمال التكرير والمعالجة.

وتمثّل هذه الشهادات علامة فارقة لكل من «أرامكو السعودية» و«سابك»، لتصبحا رائدتين عالمياً في الهيدروجين والأمونيا. وقد أعلنت «أرامكو السعودية» مؤخراً عن هدفها المتمثّل في إنتاج ما يصل إلى 11 مليون طن سنوياً من الأمونيا الزرقاء بحلول سنة 2030، وتعمل حالياً على تطوير قدراتها في مجال احتجاز الكربون وإنتاج الهيدروجين.

وتدير «سابك» منذ 2015 مصنعاً تابعاً لها في مدينة الجبيل الصناعية، هو الأكبر من نوعه عالمياً، لجمع الكربون وتنقيته واستخدامه. وتعتمد «سابك» في هذا المصنع تقنية خاصة تلتقط 500 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، المنبعث من إنتاج غليكول الإيثيلين، وتستفيد منه في تصنيع اليوريا والميثانول وثاني أكسيد الكربون السائل.

ويبلغ حجم سوق احتجاز الكربون واستخدامه نحو ملياري دولار حالياً، وتتوقع مؤسسة «لوكس ريسيرتش» (Lux Research) البحثية الأميركية، أن يصل حجم هذه السوق إلى 550 مليار دولار بحلول 2040. وتُعدّ هذه السوق واعدة في 3 قطاعات أساسية، أهمّها صناعة الإسمنت؛ حيث تؤدي إضافة الكربون إلى تحسين خصائصه وتقليل انبعاثاته. كما تساهم إضافة الكربون إلى وقود الطائرات في تقليل البصمة الكربونية لهذا القطاع. ويساعد استثمار الكربون في قطاع اللدائن على حل مشكلتين في وقت واحد، هما تغيّر المناخ والتلوّث بالمخلّفات البلاستيكية.

ويُمثّل صنع البلاستيك من الوقود الأحفوري كارثة كربونية. ففي كل مرحلة من دورة حياة البلاستيك، ابتداءً بالاستخراج والنقل وانتهاءً بالتصنيع والتخلّص، تنبعث كميات كبيرة من غازات الدفيئة تبلغ نحو 850 مليون طن مكافئ كربوني سنوياً.

ويتوقع تقرير صدر عام 2018 عن وكالة الطاقة الدولية، أن يرتفع الطلب العالمي على البلاستيك من نحو 400 مليون طن في 2020 إلى ما يقرب من 600 مليون طن بحلول 2050. وسيكون الطلب المستقبلي على البلاستيك مركزاً في البلدان النامية، ويتجاوز إلى حدٍّ بعيد الجهود العالمية في إعادة التدوير.

ويتم حالياً تصنيع منتجات بلاستيكية يدخل فيها ثاني أكسيد الكربون بنسب تتراوح من 20 إلى أكثر من 40 في المائة. ومن المتوقع أن تزداد جدوى إنتاج اللدائن من الكربون الموجود فوق سطح الأرض مع انخفاض إنتاج الوقود الأحفوري، وتبنّي مفاهيم الاقتصاد الدائري الذي يقلل من استخدام الموارد، ويعيد استخدام المنتجات لإنتاج منتجات جديدة أخرى.

- بلاستيك ووقود من الانبعاثات الكربونية

لا تُعد صناعة اللدائن باستخدام الكربون الجوي أمراً سهلاً؛ إذ يجب استخلاص ثاني أكسيد الكربون من المداخن أو امتصاصه من الجو باستخدام معدات متخصصة. وغالباً تكون هناك ضرورة لضغطه على شكل سائل، ونقله عبر خطوط الأنابيب. وأخيراً يجب إنجاز التفاعل الذي يحوّل ثاني أكسيد الكربون إلى اللبنات الأساسية للبلاستيك (البوليمرات) بأقل قدر ممكن من الطاقة الإضافية. ويُعدّ الحفاظ على مستويات منخفضة في استخدام الطاقة تحدياً حقيقياً عند التعامل مع جزيء ثاني أكسيد الكربون.

ومما يجعل تكسير ثاني أكسيد الكربون وإضافته إلى مواد كيميائية أخرى مهمة صعبة، هو روابطه المستقرة التي يتطلب تكسيرها استخدام كثير من الطاقة. ويجعله هذا الاستقرار أحد غازات الدفيئة القوية، مقارنة ببخار الماء مثلاً؛ حيث يبقى في الغلاف الجوي ما بين 300 إلى 1000 سنة. وتساهم المواد الكيميائية المحفّزة في تقديم حل لهذه المشكلة، من خلال تنشيطها معدل التفاعل الكيميائي، مما يقلل الحاجة إلى الطاقة.

ويبحث العلماء منذ أكثر من 10 سنوات عن محفزات تساعد في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى بلاستيك في درجة حرارة وضغط الغرفة. وتنقسم جهودهم إلى فئتين أساسيتين: الأولى كيميائية والثانية بيولوجية. وكان الكيميائي الأميركي جيمس إيجان قد حقق اختراقاً في هذا المجال، عندما اكتشف عام 2020 تفاعلاً يسمح بتصنيع بوليمر يدخل فيه ثاني أكسيد الكربون بنسبة 29 في المائة، ويتحلل في الماء إلى مواد عضوية بدرجة حموضة عالية.

وتساعد قابلية البوليمر على التحلل في تجاوز إشكالية التلاصق داخل الآلات المستخدمة في تدوير المواد البلاستيكية المصنّعة منه، مما يحسّن كفاءة مرفق إعادة التدوير. وفي العام الماضي، قدّم أستاذ الكيمياء في جامعة مينيسوتا إيان تونكس ورقة بحثية، تجعل البوليمر المكتشف قابلاً للتحلل بالكامل -مرة أخرى- إلى ثاني أكسيد الكربون القابل لإعادة الاستخدام، وهو هدف دائري في اقتصاد الكربون. وقد أنشأ تونكس هذه السنة شركة ناشئة لإنتاج مجموعة متنوعة من المواد البلاستيكية القابلة للتحلل.

ومن ناحية أخرى، يستخدم الباحثون الميكروبات لتفكيك ثاني أكسيد الكربون والاستفادة منه في صناعة مواد مفيدة، مثل أقمشة الملابس. وعلى المستوى التجاري، تستخدم شركة «لانزاتك» (LanzaTech) الأميركية بكتيريا الأسيتوجين لاستقلاب ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون، في مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية الصناعية، بما فيها الإيثانول. وفي العام الماضي، بدأت شركة «زارا» (Zara) المتخصصة في تصنيع الملابس وتسويقها في استخدام البوليستر الذي تنتجه «لانزاتك» في عدد من خطوطها.

وكانت «لانزاتك» قد دخلت في شراكة مع عدد من مصانع الصلب في الصين، لتحويل انبعاثاتها الكربونية إلى إيثانول، ضمن مفاعلات حيوية مليئة بالميكروبات، قبل أن يمر الإيثانول بخطوتين أخريين ليصبح خيوط البوليستر التي تستخدم في صناعة النسيج. ويشير تقييم دورة حياة المنتج إلى أن عملية إنتاج الإيثانول هذه قللت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 80 في المائة، مقارنة بالإيثانول المصنوع من الوقود الأحفوري.

ولا يقتصر استخدام الإيثانول المنتج من الانبعاثات الكربونية على قطاع إنتاج الملابس، فهو يدخل في تصنيع عديد من المواد ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، مثل وقود الطائرات. ويسمح استخدام الإيثانول في قطاع الطيران بخفض انبعاثات الكربون بنحو 70 في المائة، مقارنة باستخدام الوقود الأحفوري.

ويواجه الباحثون والشركات تحديات في توسيع نطاق التقاط الكربون وإعادة استخدامه. وتكمن بعض العوائق في لغة التشريعات المكتوبة قبل وجود هذه التقنية. ومن الأمثلة على ذلك برنامج وكالة حماية البيئة الأميركية لتقديم ائتمانات ضريبية للشركات التي تصنع الوقود الحيوي؛ إذ يتوجه هذا البرنامج نحو أنواع الوقود النباتي مثل الذرة وقصب السكر، لذلك لا يؤهل استخدام البكتيريا في صنع وقود الطائرات للحصول على التمويل، باعتبارها لا تندرج ضمن النباتات.

إن الوصول إلى اقتصاد دائري، تكون فيه كمية الكربون فوق الأرض محدودة، ويتم التحكم فيها ضمن حلقة لا تنتهي من الاستخدام والتدوير، يتطلب تغييراً على جبهات مختلفة. ويستتبع ذلك أن تكون سياسات الحكومات واستثماراتها، وممارسات الشركات وتطورها التقني، فاعلة ومؤثرة خلال وقت قصير لما فيه تعزيز صحة الإنسان وسلامة الكوكب.

الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  86