• ×
admin

زيف العبقرية وحدود العلم

زيف العبقرية وحدود العلم


محمد عبد العزيز السماعيل

تفتح التطورات العلمية المتسارعة استفهاما كبيرا حول الحدود التي يمكن أن يتوقف عندها العلم والبحث وعمليات الاستكشاف، فالعقل الإنساني مهما أوتي من الطاقة الفكرية التي تبدع وتنتج إلا أنه يتقاصر مع الحركة الكونية التي أبدعها خالق الكون جلّ وعلا .
فعندما ظهر العالم بلانك بنظرية الكم أعطى العالم أينشتاين أول خيوط نظريته النسبية التي ترى الكون عبارة عن منحنى جعله يضيف الزمن للأبعاد الثلاثة الرئيسية المعروفة ليصبح لدينا أربعة أبعاد هي الطول والعرض والارتفاع والزمن، التي جاءت بالمفهوم الزماني والمكاني (الزمكاني) وذلك بدوره فتح الأفق واسعا لمزيد وكثير من النظريات العلمية الخاصة بالمادة والطاقة والحركة سواء في الفيزياء أو الكيمياء وعلوم الفلك، وإذا كانت النظرية النسبية أحد أهم الفتوح العلمية فإن الحركة العلمية لم تتوقف عندها ، حيث أنتج العلماء كثيرا من النظريات والمعادلات التي سخرت للإنسان كثيرا من القوانين التي تحقق قيمة استخلافه في الأرض على ما هو عليه من إنسانيته بحيث لا فرق في قدراته الاستخلافية من حيث كونه أوروبيا أو آسيويا، عربيا أو أعجميا، أصفر أو أسود أو أبيض، متدينا بدين سماوي أو لا ديني.
وأعود الى عنوان المقال لأقول : حسب قدراتي أنا حينما أتدبر وأفكر في قوله تعالى :»وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»، فإني أجد في ذلك استئنافا متواصلا للبحث العلمي، ولكن تظل في النفس بقية من سؤال، هل هذا العلم مما يمكن أن يكتشفه العقل؟ فهناك أشياء ما ورائية لا يدرك كنهها العقل، ثم أن كثيرا من الاكتشافات العلمية السابقة والحالية وربما القادمة لعبت الصدفة فيها الدور الأكبر، وشاهدي في ذلك أن العالم أديسون الذي له كثير من المخترعات توصل الى المصباح الكهربائي بعد مائة وتسع وتسعين محاولة بحث، وعندما يئس مساعدوه قالوا له أنجزنا مائة وتسعاً وتسعين تجربة ولم ننجح، فأجابهم : بل نجحنا، لقد عرفنا أن هناك مائة وتسعاً وتسعين تجربة غير صالحة، ولنواصل التجربة رقم مائتين وكانت هي التي أهدت البشرية المصباح الكهربائي، وأقر كثير من العلماء أن الصدفة خدمتهم في الوصول الى مبتغياتهم العلمية التي نراها منتهى العبقرية، فيما هي نتاج محاولات فاشلة متكررة استغرقت أعواما وأعمت أبصارهم وأحنت ظهورهم.
في الواقع للعقل البشري حدوده الإدراكية، ولكن الله سبحانه وتعالى يقود عباده الى ما فيه خيرهم ونفعهم، من خلال حثهم على السعي والتدبر والعمل، ولذلك فإن المنجزات العلمية أراها ذات أبعاد ما ورائية أكثر منها عبقرية يدعيها ذلك العالم أو الباحث، دون أن يقلل ذلك من قدراتهم العقلية، وهي بحكم النص القرآني تبقى حقا مشاعا لبني البشر عبر الأزمان، وفي تقديري أننا في ظل المرحلة العلمية الراهنة ومن خلال الدعم غير المحدود للبحث العلمي في بلادنا وآخر ذلك إنشاء جامعة الملك عبد الله حفظه الله - وفي ظل التطورات التقنية المتواصلة واتساع نطاقات الإنترنت وخدمات الاتصالات فإننا في خضم فترة ذهبية للبدء في نقلة تقنية وعلمية منهجية من حيث انتهى الآخرون لاستعادة أمجاد الأسلاف الذين كانوا روادا في العلوم، وبحسب متابعتي فإن المملكة تخصص فقط لتقنية الاتصالات والمعلومات مليارات كبيرة لتحقيق انطلاقة علمية وتقنية تكون نموذجا لبقية الدول العربية التي تملك القدرات البشرية التي تحتاج لدعم مادي ومعنوي ، وهي بذلك تقوم بتأسيس مراكز أبحاث تحتضن علماءنا الكبار والصغار بالنظر الى ما يخترعه هؤلاء بأبسط الأدوات البدائية، إنها بالفعل فترة لتحقيق نهضة علمية واثقة تواكب طموحات وتطلعات قياداتنا، فإيماننا بالعلوم والبحث كبير وثقتنا بأبناء الأمة كبيرة لأن يعملوا على النهوض واستعادة أمجادنا العلمية وتحقيق الريادة في هذا المجال ، الأبواب مفتوحة لنا لنمتطي صهوة العلم ونبدع مثلما أبدع أسلافنا ، وما على جيل الشباب اليوم إلا إخراج إبداعاتهم ومنافسة العلماء حول العالم وما علينا إلا أن نشجع وندعم لنبدأ من حيث انتهى الآخرون .

المصدر: صحيفة اليوم
بواسطة : admin
 0  0  1324