• ×
admin

وسامة وجمال الرجل عند العرب

وسامة وجمال الرجل عند العرب

علي الخزيم

* تواتر النقل شعرًا ونثرًا عن قُدماء العرب من مقاييسهم وموازينهم لوسامة وجمال الرجل بأنها تَمزج وتَقرن صفاته الجسدية والأخلاقية الروحية لتستمد منها حُكمًا عادلًا منصفًا لإطلاق صفة الوسامة عليه؛ فقد كانت الوسامة عندهم -وما زالت- لا تقتصر على الوصف الجسماني وحسن الخِلقة والمظهر الخارجي من هندام وقوام وتكامل عضوي عضلي؛ بل عَدُّوا الوسامة وجمال الروح عند الرجل باقتران حسن مظهره وتناسق جسمه مع اتصافه بالأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة بمنظومتها المعروفة عند سائر العرب.

* والعرب تُصنّف الفضائل ليس كما يفهمها البعض الآن بأن الكرم يعلو بذؤابتها ثم تأتي بقية الخصال تبعًا له؛ بل قدَّموا عليها (الصدق والأمانة والمروءة والعفة والعدل)، ثم تتوالى بقية المنظومة الأخلاقية المعهودة التي يتحلى بها الجميع وتتفاوت التفضيلات الثانوية عند البعض منهم، غير أن أسس الجمال والوسامة لا تأتي مكتملة إلا بأعلى وأسمى القيم والشيم العربية المتأصلة بوجدان وعقل وملكات من يراد تصنيفه كوسيم جميل الأخلاق؛ أما دعاوى المتأخرين ومقولتهم المُستحدثة: (الكرم مغطي العيوب) فهي لم تكن دارجة ولا مُعتبرة عند العربي القديم وما بعده، والكرم يأتي متأخرًا نسبيًا بترتيبه عندهم؛ فهو لا شيء إذا لم تسبقه المعايير الدقيقة الجميلة آنفة الذكر.


* ولكن هل كان العرب لا يُقِيمون وزنًا لجمال هيئة الرجل وحسن صورته؛ ويجعلون هذا للمرأة دونه؟ الجواب: لا؛ فقد حاز الرجل نصيبًا من الميزات الجمالية التي تؤخذ بالاعتبار مقرونة بالجمال الداخلي للرجل؛ ووجد العربي الوسيم الجَسيم النّقي الفصيح الفطن اللماح لبِق اللسان حاذق التفاوض والنقاش مكانته كسفير ومبعوث وممثل عن الخلفاء والملوك والسلاطين لدى نظرائهم بالبلاد الأخرى؛ وهم كذلك مُقدّمون بين القبائل حين التحاكم والتقاضي بأمور تنشأ وتطرأ للمشاركة بالصلح وإحقاق الحق؛ لما لهم من قبول وجاذبية بين القوم ولما لديهم من ملكات تؤهلهم لتلك المكانة الاجتماعية؛ وقد يكون بين القوم من هو أجمل منظرًا لكنه بالمَخبَر والدهاء والحكمة دون ذلك؛ فلا يجد القبول المنشود، وثمّة بيت منسوب للشاعر نور الدين السالمي؛ إذ يقول:

(لله در فتى يُمسي ويصبح في

أثواب عز عليه المجد قد نبتا)

* وعرف عن نساء العرب الأقدمين أنهن - مع كمال مشاعرهن وذوقهن وما جُبِلن عليه - لا يتحدثن عن الجمال الظاهري للرجل؛ ومع ما قِيل ونُقل مِن أحاديث وروايات وأشعار بهذا المعنى لنساء من العرب فهي حالات نادرة تَدفَّقت بين جداول العشق والهيام الذي ينشأ بين قلبين تَيَّمهُما الوَجْد، لكنها لم تكن ظاهرة نسوية عربية؛ بل إن جملة نساء العرب يأنفن من التغزل بالرجال حتى على انفرادهن ببعضهن فهي سُبّة بين أجنحة القبيلة، وإن تحدثن عن فروسية الرجل وشجاعته ومروءته وحفظه للجار ونحو ذلك فهو مما لا بأس به، فالفارس فرد بين فرسان القبيلة ويحق للجميع مدحه والثناء على فتوته وإقدامه.

* ومما قرأت: (قيل لرجل من أكارم العرب وكان وسيمًا وضَّاح الجبين: ما منعك من ظهورك للنساء الحِسان مع جمالك ورغبتهنّ بأمثالك؟ فقال: عِفّةٌ طِباعية، وغيرةٌ إسلامية، وكرمٌ موروث، ومعرفةٌ بقبح العار).

الجزيرة
بواسطة : admin
 0  0  11