• ×
admin

بحيرة الأربعين وأخواتها

بحيرة الأربعين وأخواتها

أ. د. طلال علي زارع

كانت بحيرة الأربعين (بحر الطين) في يوم من الأيام من معالم جدة القديمة، ومنبعا للذكريات الجميلة لكثير ممن تعلقت قلوبهم بالبحيرة أيام الصبا والشباب، ولكن للأسف أصبحت هذه البحيرة وغيرها من بحيرات مثل بحيرة المسك في السنوات الأخيرة من الضحايا البيئية في جدة، وتحولت إلى أكبر بيارة للصرف الصحي تتميز برائحتها التي تزكم الأنوف وتكدر النفوس، ولا تخلو المجالس من الحديث عن التلوث وخطره على صحة الجميع.. ويبدو أن مشاكل التلوث بمياه الصرف الصحي امتدت لتشمل كثيرا من شواطئ جدة وبحيراتها بدرجات مقلقة، فهل هذا يليق بعروس البحر الأحمر؟

وفي أحد الأيام بعد صلاة العشاء، أردت أن أمارس رياضة المشي وذلك بالدوران حول بحيرة الأربعين، ومما لفت نظري أنني رأيت بعض المقيمين من جنوب شرق آسيا، يقومون بصيد حيوانات \"أبو مقص\" من البحيرة الميتة التي تنطلق منها روائح عفنة باستخدام أدوات خاصة لمسكها، وبالفعل قد رأيت عددا من هذه الحيوانات يتحرك بخفة في البحيرة، وحذرت أحد المرافقين لهم بأن الحيوانات في هذه البحيرة ملوثة وينبغي عدم أكلها، ولكن أخبرني أن هؤلاء القوم لا يهمهم ذلك ولا يخيفهم التلوث، وقد طلبت من أحدهم أن أرى الحيوانات التي تم اصطيادها، وبالفعل فتح حقيبة ممتلئة بـ\"أبو مقص\" من مختلف الأحجام!

واشتد الجدل والاختلاف سواء كان عاطفيا أو مهنيا حول البحيرة، وتداوله الكتاب والخبراء والمختصون، ففريق يريد إنقاذ البحيرة من الموت لتاريخها العريق وارتباطها بوجدان أهالي جدة، والفريق الآخر يريد ردمها كحل جذري لمشاكلها البيئية خاصة مع عدم جدوى كل المحاولات السابقة لتنظيفها وتطهيرها، ولماذا تصرف الملايين على عمل لن يحقق الغاية المرجوة؟

والهدف من مختلف الاجتهادات والحلول هو القضاء على أضرار التلوث الخطيرة على مختلف النظم البيئية وعلى صحة البشر، وإيقاف تصاعد الغازات العفنة مثل الميثان وكبريتيد الهيدروجين السام من البحيرة، لتصبح بعد الانتهاء من تنظيفها وتطهيرها جاهزة لبناء المشاريع الترفيهية والسياحية لسكان جدة وزوارها في إطار تطوير المنطقة التاريخية وسط البلد.

وبدأت مشكلة تلوث البحيرة وركود مياهها خلال فترة نمو جدة السريع منذ أكثر من ثلاثين عاما، حيث تم تضييق القناة التي تربط بين البحيرة والبحر المفتوح عن طريق ردميات بني عليها جسر مما أدى إلى تقييد حركة تبادل المياه، بالإضافة إلى تفريغ مياه الصرف الصحي بغزارة في هذه البحيرة.

ينبغي أن تشمل الجهود الرامية لتنقية مياه بحيرة الأربعين وغيرها من البحيرات والشواطئ مختلف الطرق مثل إيقاف قذف ملوثات مصبات مياه الصرف الصحي فيها، وتجريف لقاعها، وإزالة المخلفات المتعفنة، وتهوية مياهها بضخ البكتيريا الهوائية وإضافة الصخور والشعاب المرجانية والطحالب البحرية، كما ينبغي العمل على تحريك مياه البحيرة عن طريق توسيع المضيق الذي يربط بين البحيرة والبحر المفتوح، وغير ذلك من إجراءات تقنية للقضاء على الكائنات المسببة للعفن وتنقيتها من الملوثات المختلفة.

وتعتبر البحيرات والشواطئ في مدن العالم المتحضر من المعالم الترفيهية والسياحية الهامة، وهي بحاجة مستمرة للنظافة والصيانة، فهل يمكن الاستفادة من خبرة هذه الدول في هذا المجال؟، ولا تنفع الحلول المؤقتة لأن ذلك لن يحل المشكلة بل يزيد من تفاقمها، ولكن المطلوب حلول جذرية، فهل من علاج ناجع لمشكلة تلوث بحيرة الأربعين وغيرها من شواطئ جدة وبحيراتها مثل بحيرة المسك؟ وخاصة مع عدم إدراك الناس لخطورة أكل الحيوانات من المناطق الملوثة وممارسة السباحة فيها، وما يمكن أن يسببه ذلك لهم من أمراض خطيرة..

المصدر: صحيفة الوطن بتصرف
بواسطة : admin
 0  0  1452