• ×
admin

الصحة النفسية والعجز المبكر

الصحة النفسية والعجز المبكر
الأطفال الذين يعانون من المتاعب يشيخون أسرع من أقرانهم

د. هاني رمزي عوض

من المعروف أن الأحداث المؤلمة في الطفولة يمكن أن تسبب اعتلالاً في الصحة النفسية للطفل، مما يترك آثاراً بالغة السوء على المستويين النفسي والعضوي ربما تلازمه حتى البلوغ وفي بعض الأحيان لبقية حياته. وبطبيعة الحال هناك آلاف الدراسات التي تناولت العلاقة بين الطفولة التعيسة والاضطرابات النفسية لاحقاً وأيضاً دورها الرئيسي في العديد من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب ومرض السكري من النوع الثاني. وأشارت أحدث هذه الدراسات إلى العلاقة بين الأمراض النفسية في الطفولة والإصابة بالعجز المبكر، وظهور الإنسان بمظهر أكبر من عمره الحقيقي.

- متاعب الأطفال النفسية
أوضحت الدراسة التي قام بها علماء من جامعة ديوك Duke University بولاية نورث كارولينا الأميركية أن ملامح الأشخاص البالغين الذين عانوا من متاعب نفسية في طفولتهم تبدو أكبر من أقرانهم في العمر نفسه، وأرجعوا ذلك إلى الأمراض العضوية التي تصيب معظمهم جراء الحالة النفسية السيئة والقلق المستمر مثل ارتفاع ضغط الدم في وقت مبكر الذي يؤدي إلى زيادة احتماليات إصابتهم بالسكتة الدماغية أو جلطات القلب، كما أن معظمهم لا يقبل، وفي الأغلب، على ممارسة الرياضة، بجانب إصابتهم باضطرابات الطعام المختلفة سواء الإقبال على الأكل بشراهة أو العزوف عن تناوله تماماً، فضلاً عن المضاعفات الصحية التي تحدث لهم نتيجة عدم التزامهم بتناول العلاج لسوء حالتهم النفسية.
وكان الباحثون قد قاموا بإجراء دراستين منفصلتين للوصول إلى تلك النتيجة. وفي الدراسة الأولى التي نشرت في النسخة الإلكترونية من مجلة الجمعية الطبية الأميركية للطب النفسي JAMA Psychiatry في منتصف شهر فبراير (شباط) من العام الجاري وفيها تتبعوا السجلات الطبية الخاصة بألف شخص من النيوزيلنديين الذين ولدوا في عام 1972 وعام 1973 منذ الولادة وحتى بلوغهم عمر 45 عاماً (منتصف العمر). وتبين أن هؤلاء الذين عانوا من القلق والاكتئاب أو المخاوف المختلفة في سنوات الطفولة والمراهقة حدث لهم تراجع في القدرات الذهنية والإدراكية كما قلت التوصيلات العصبية الخاصة بالإحساس أكثر من أقرانهم من الأصحاء، ودائماً كانت هناك تعليقات على مظهرهم بأنه يبدو أكبر من عمرهم، وكانت هذه العلامات (سواء الأمراض العضوية أو المظهر) بعد أن قام العلماء بتثبيت العوامل الأخرى التي من شأنها أن تؤثر على الصحة العامة مثل التدخين والبدانة والتاريخ المرضى لأمراض عضوية أخرى أو أي أدوية لها أعراض جانبية تؤثر على الجهاز العصبي.

- شيخوخة مبكرة
وفي الدراسة الثانية التي قام بها الفريق البحثي نفسه وتم نشرها في المجلة الطبية للجمعية الأميركية JAMA Network Open قاموا بتحليل السجلات الطبية للمجتمع النيوزلندي بشكل عام من المستشفيات المختلفة (2 ونصف المليون من السكان تتراوح أعمارهم بين العاشرة وحتى الستين عاماً) في الفترة الزمنية من عام 1988 وحتى عام 2018.
وكانت النتيجة هي نفسها التي خلصوا إليها في الدراسة الأولى وهي وجود صلة قوية بين المعاناة من الأمراض النفسية في فترة مبكرة من عمر الإنسان وبين إصابته لاحقاً بعلامات الشيخوخة المبكرة على المستوى العضوي والعصبي والنفسي.
أوضح الباحثون أن علاج الأمراض النفسية في الطفولة والمراهقة يعتبر نوعاً من الاستثمار في الصحة العامة للمجتمع لاحقاً وأن الإيذاء النفسي للطفل يتعدى الأثر الوقتي ويؤثر بالسلب على كل مجالات حياته لاحقاً حتى تلك التي تبدو غير ذات صلة بالعامل النفسي مثل حالته المادية والاقتصادية، حيث وجد العلماء أن الأشخاص الذين يعانوا من متاعب نفسية غير قادرين على الإبداع في عملهم أو العمل بشكل جاد وكذلك لا يقومون بتطوير أنفسهم بالشكل الذي يجعلهم مطلوبين في سوق العمل، مما يدخلهم في دائرة مفرغة من الإحباط وعدم الإنجاز. وفضلاً عن ذلك فإن معظمهم يقدمون على إدمان المخدرات أو الحبوب المخدرة والكحوليات، وهو الأمر الذي يؤدي إلى عدم قدرتهم على العمل بانتظام.

- عادات سيئة
أشار العلماء إلى أن العادات الصحية السيئة المرتبطة باعتلال الحالة النفسية هي السبب في العجز المبكر، وعلى سبيل المثال ارتباط الاكتئاب بتناول الطعام بشراهة خاصة الكربوهيدرات، مما يؤدي إلى البدانة المفرطة التي بدورها تجعل المظهر يبدو أكبر من الأقران، فضلاً عن مخاطرها العضوية مثل زيادة الكوليسترول، وتصلب الشرايين، وأيضاً التدخين والدور السيئ الذي يلعبه في فقدان نضارة البشرة وجعلها تبدو أكبر عمراً.
وإضافة إلى ذلك تغير معدل النوم لعدد أقل من الساعات والإرهاق الجسدي الناتج عن ذلك، مما يؤدي إلى ضعف الذاكرة وغياب التركيز. كما أن سوء الحالة النفسية يؤدي إلى ضعف مناعة الجسم بشكل عام، ويعرضه للإصابة بالالتهابات المختلفة، مما يقلل من العمر الافتراضي لخلايا الجسم المختلفة.
نصحت الدراسة بضرورة أن يتم توقيع الكشف الطبي على الأطفال من الناحية النفسية وعمل ما يشبه (المسح النفسي psychiatric screening) لمعرفة الأطفال الأكثر عرضة للإصابة بالمرض النفسي أو الذين يعانون بالفعل من متاعب نفسية ولكن يمنعهم الخوف أو عدم الوعي من الإفصاح عنها، خاصة الأطفال الذين يتعرضون للاعتداءات من أفراد أسرتهم أو من الأقران، سواء كانت هذه الاعتداءات جسدية أو جنسية وتشجيعهم على التحدث، وكذلك الأطفال الأكثر عرضة للتنمر بسبب مظهرهم (شكل الجسد أو لون البشرة أو عيب خلقي واضح)، وعلاجهم نفسياً، حيث إن العلاج المبكر هو الضمانة لحياة نفسية سليمة لاحقاً كبالغين ويمتد تأثيرها ليشمل المجتمع كله.

الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  206