• ×
admin

الطبيب استعد لإعلان الوفاة.. طفل يعود للحياة بعد 20 دقيقة من التوقف المستمر للقلب

الطبيب استعد لإعلان الوفاة... طفل يعود للحياة بعد 20 دقيقة من التوقف المستمر للقلب!
مواقف للأطباء مع حالات مرضية تكسر توقعاتهم وتتجلى فيها قدرة الله سبحانه وتعالى

د. خالد عبد الله المنيع

كثيرة هي المواقف التي يتعرض لها الطبيب في غرف الإسعاف وغرف العناية المركزة خلال تعاملهم مع بعض الحالات الحرجة والتي تتجلى فيها قدرة الله سبحانه وتعالى تؤكد أن الطب والاطباء ماهم الا سبب في الشفاء ويبقى أمر الله فوق كل شيء. يقول عزّ من قائل (‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا‏).‏

أبدأ بعرض الموقف الاول حيث نقل طفل يبلغ من العمر 3 سنوات بواسطة والديه الى غرفة الاسعاف في حالة حرجة وفقد للوعي مع انقطاع متكرر للتنفس بعد تعرضه لنوبات تشنج متكررة ، ارتفاع في درجة الحرارة وطفح جلدي ،، خلال الكشف على الطفل كان هناك انخفاض حاد في الضغط الشرياني وتباطؤ شديد في ضربات القلب ،،، حينها تم اسعاف الطفل بشكل عاجل من خلال عمل الانعاش القلبي الرئوي واستعمال السوائل والادوية المحفزة لعمل القلب كما تم دعم الرئتين بالتنفس الاصطناعي ،،، بعد عمل الفحوصات شخصت الحالة التهاب سحائي للدماغ وخضع الطفل للعلاج اللازم لمثل تلك الحالات .

استمر الطفل على هذه الحال مدة لاتقل عن اسبوعين وهو غير قادر على الاعتماد على رئتيه للتنفس أو الاستغناء عن الاجهزة الداعمة بل كان يتعرض الى نوبات متقطعة من انخفاض الضغط الشديد تلاها تباطؤ شديد في ضربات القلب والذي استدعى عمل انعاش قلبي رئوي في محاولة لإعادة عمل القلب لوضعه الطبيعي .

خلال عمل الانعاش كانت هناك استجابة طفيفة ومتقطعة لعمل القلب ولكن في النهاية و للاسف استمر تدهور حالة الطفل الى ان توقف القلب تماما ،،، خضع الطفل فورا لعمل الانعاش لمدة 40 دقيقة ،،، توقيت ايقاف الانعاش يعتمد على تقييم حالة المريض بواسطة الفريق الطبي ولكن في الغالب لا يستجيب الطفل بعد 20 دقيقة من التوقف المستمر للقلب الا ان يشاء الله .

بعد انتهاء الفترة المذكورة من العمل المتواصل في الانعاش ودون الحصول على أي استجابة من القلب للعمل التلقائي حينها بدأ الفريق الطبي في تجهيز الاوراق اللازمة لاعلان حالة الوفاة وتحرير ذلك .

كنت أفضل اعطاء المريض مدة اطول من المقرر لها طبيا لاسيما اذا كانت هناك استجابة متقطعة في البداية ولو كانت بسيطة وبحكم وجود عوامل طبية اخرى فواصلنا عمل التحفيز المستمر لعضلة القلب لمدة اضافية بلغت 20 دقيقة بالضغط المتكرر والمنتظم على الصدر وبالادوية المحفزة للقلب ومن خلال متابعة شاشة المراقبة بدأ القلب تدريجيا بالعمل المنتظم وبدعم الادوية بدأ الضغط الشرياني يرتفع الى مستوى معقول نسبيا .

حينها توقفنا عن عمل الانعاش وتم دعم الطفل بجهاز التنفس الاصطناعي مرة اخرى ومراقبة العلامات الحيوية ... درجة الحرارة ، مستوى الضغط ، النبض ، التنفس ومستوى الاوكسجين في الدم .

تلا ذلك تباطؤ في ضربات القلب خلال اليومين التاليين ولكن كان طفيفا وغير متكرر وتم التغلب عليه ومعالجته في حينه .

استمر الطفل بدعم جهاز التنفس الاصطناعي مدة اسبوعين كانت المؤشرات جيدة حيث بدأت تظهر مقاومة الطفل لانبوب التنفس حينها كان من المفترض التقليل وتغيير دعم الجهاز من الدعم الكلي الى الدعم الجزئي وهذا ما حصل لاعطاء الفرصة للرئتين لتأدية عملها واعتماد المريض على نفسه في عملية التنفس .

تم خفض دعم التنفس الصناعي تدريجيا مع مراقبة غازات الدم الى ان استطاع الطفل الاعتماد كليا على رئتيه حينها سحب التنفس الصناعي نهائيا .

ولتقييم حالة الطفل وحجم الضرر أو التلف الذي أصاب الدماغ بعد تلك الهجمات المتكررة من تباطؤ وتوقف ضربات القلب كان الكشف السريري يوضح عدم وجود ضعف يذكر في الاطراف. الطفل اصبح يستطيع الاستغناء عن التغذية الكاملة عن طريق الوريد وتناول الاكل بشكل طبيعي وهذا يؤكد ان عملية البلع لديه لم تتأثر ،، كان هناك ضعف بسيط في النظر في حين كان مستوى السمع لديه جيدا .

لتأكيد ذلك عملت الاشعة المقطعية للدماغ والتي كانت بفضل الله مفاجأة للجميع فلم يكن هناك تلف يذكر في أنسجة المخ .

تم تحويل المريض من غرفة العناية المركزة وتحويله الى الجناح العام حيث استكمل علاجه وتم خروج الطفل يمشي على قدميه بصحبة والديه .

موقف اخر في غرفة الاسعاف مع طفلة تبلغ من العمر تسع سنوات حضرت مع والدتها تشكو من آلام في البطن وخروج قطرات من الدم في البول " أعزكم الله"

للوهلة الاولى لم يتبادر لي ان الطفلة تعاني من أي شكوى وقد أكد ذلك الكشف السريري عليها ففي البداية كانت تدعي وجود آلام شديدة في البطن بمجرد وضع يدي على موضع الكليتين ولكن بطريقة تشتيت الانتباه ومن خلال تلك الطريقة يقوم الطبيب باشغال المريض في أي شيء مثال ذلك التحدث مع الطفل خلال الكشف عليه وطلب اجابته على سؤال يوافق عمره وتفكيره كسؤاله مثلا عن عملية حسابية معينة وخلال عملية تشتيت انتباهه يقوم الطبيب في نفس الوقت بالفحص ومراقبة تعابير الوجه لاستيضاح وجود ألم من عدمه .

وبعمل فكرة تشتيت الانتباه وباشغال الطفلة بحساب عملية جمع رقمين وعمل فحص البطن حتى بالضغط العميق على موضع الكليتين لم تكن تشعر بأي ألم ولم تتغير تعابير وجهها نهائيا كما حصل معها في المرة الاولى بالرغم من أن الفحص كان سطحيا .

ولأن من طبيعة عملنا احترام شكوى المريض وعدم التشكيك فيها فقد كان الاجراء التالي بعد اكمال الفحص السريري هو عمل الفحوصات اللازمة والتأكد من سلامة الطفلة أو اثبات وجود أي التهاب وعلاجها .

وحيث ان مثل تلك الحالات تعالج عن طريق العيادة دون الحاجة لتنويم المريض في المستشفى فقد نصحت بذلك ولكن والدة الطفلة أخرجت لي عينة من البول تتلون بكمية دم ليست بالقليلة . كما أن والدة الطفلة شكت من صعوبة المواصلات لمراجعة العيادة .

تم دخول الطفلة للمستشفى .أوصيت بعدم البدء في أي علاج حتى وصول الفحوصات الاولية والتي طلبت بشكل عاجل . من خلال مراجعة العلامات الحيوية للطفلة لم تكن تعاني من ارتفاع في درجة الحرارة كما أن الفحوصات بشكل عام لاتشير الى وجود أي التهاب الا ان فحص عينة البول يعزز كلام والدة الطفلة في وجود الدم مع البول .

كان الوضع محيّرا فجميع المؤشرات الاكلينيكية والمخبرية لا تتوافق ولا تؤيد وجود أي التهاب كما أن الاشعة لا تؤيد وجود حصوات أو عوامل انسداد في المسالك البولية حيث تم عمل فحوصات متقدمة للجهاز البولي والتي أثبتت سلامته.

في اليوم التالي طلبت من والدة الطفلة ان نعمل لها تحليلا للدم فاستغربت ذلك فالمريضة هي طفلتها وليست هي ولكن استطعت اقناعها وكان هدفي من هذا معرفة فصيلة دم الام ومعرفة فصيلة دم الطفلة ومعرفة فصيلة الدم الموجود في عينة البول.

وبعد ظهور النتيجة كانت المفاجأة أن الدم الموجود في عينة البول هو نفس فصيلة دم الأم وليس من فصيلة دم الطفلة .

لم أخبر الأم بذلك . بل طلبت من الممرضة عند أخذ عينة البول من الطفلة أن تشرف على ذلك بنفسها دون تدخل الأم . كان الامر مرفوضا في البداية من الأم ولكن لم يكن لديها سبب مقنع للرفض .

ظهرت العينة خالية تماما من أي تلون دموي كما أن التحليل لم يثبت وجود خلايا حمراء في عينة البول وهو أمر مفاجئ اذا أخذنا في الاعتبار أن العينة السابقة لها بساعات كانت تحوي تركيزا مكثفا من الدم .

وبشرح الأمر للام أفادت أن ما دعاها لخلط قطرات من دمها بعينة بول الطفلة هو رغبتها في دخول المستشفى والابتعاد عن جو منزلها حيث تعاني فيه من مشاكل اجتماعية كبيرة .

تم مساعدة الأم بعد الاستئذان منها في تلقي الاستشارة الطبية من اختصاصية الطب النفسي والاخصائية الاجتماعية للمشاركة في العلاج .

الرسالة من ذكر هذا الموقف هو تحري أي مشاكل أخرى لدى المريض وخاصة النفسية واعطاءها الاهتمام بنفس مستوى العلاج العضوي .

المصدر: صحيفة الرياض
بواسطة : admin
 0  0  1431