• ×

رغبة والدي وليست رغبتي

0
0
1147
 
* أتحدث إليك يا دكتور بعد أن عانيت فترة من الزمن، فقد بدأت مشكلتي منذ التحقت بالجامعة، ودخلت إلى كلية حسب رغبة والدي وليست رغبتي. لم أكن أرغب في أن أخذل والدي الذي كان واضعاً آمالاً كبيرة عليّ في الدراسة، خاصة وهو رجل حريص جداً على التعليم وهو حاصل على شهادة الدكتوراه وناجح في حياته العلمية والعملية ويريد مناّ نحن ابناءه أن نحذو حذوه.. فرح كثيراً حينما التحقت بالكلية التي اختارها لي وأصبح سعيداً وفخوراً بما أنجزته من الالتحاق بالكلية التي يرغبها ويرى أنها أفضل الكليات ولها مستقبل أفضل من بقية الكليات. من البداية لم أتأقلم مع الجو في هذه الكلية، فالمواد صعبة، تفوق قدراتي العلمية، وكانت النتيجة الطبيعية بأني رسبت في الفصل الأول، لكني أصررت على أن أحقق حلم أبي وأعدت الفصل ونجحت وانتقلت للفصل الثاني ولكن تكرر معي ما حدث في الفصل الأول حيث أعدته ونجحت في المرة الثانية، أي أني أضعت عامين لإنهاء عام دراسي واحد. انتقلت للمرحلة التي بعدها وكانت الأمور أكثر صعوبة، وأصبحت أتأخر في الذهاب إلى الكلية لدرجة أنني أصبحت مهدداً بالحرمان من بعض المواد نظراً لكثرة غيابي. أصبحت لا أستطيع التفكير في الدراسة وطلبت من والدي أن أحذف الفصل الدراسي، فثار غضبه وأخذ يلومني ويكيل لي الاتهامات بالكسل والفشل وأني خيّبت أمله بعد أن كان يتوقّع أن أحذو حذوه، ولكن لم يستطع أن يتفهم بأن قدراتي ليست مثل قدراته، يلقي باللوم عليّ وعلى كسلي وعدم اهتمامي بالدراسة ولكن الحقيقة أني لا أحب هذه الكلية وهي ليست طموحي، صحيح أنها كلية مرموقة لكن ليست رغبتي وقدراتي العلمية لا ترقى لمستوى هذه الكلية التي تتطلب دراسة بشكل كبير، وتفرغ تام للدراسة بها.

الآن أنا على مفترق طرق، فلو لم يسمح لي والدي بحذف الفصل الدراسي هذا فإني سوف أرسب وينزل معدلي بشكل كبير قد لا يتيح لي أن أكمل الدراسة بهذه الكلية، والدي يصر على ألا أحذف الفصل الدراسي ولا يتفهم وضعي الحرج في الكلية. هذه الأوضاع مجملة جعلتني فعلاً أعاني من الاكتئاب الحقيقي؛ فمزاجي دائماً حزين، أبكي أحياناً بدون سبب، نومي مضطرب، اصبحت أنام في النهار واستيقظ في الليل وهذا أثّر على حضوري للمحاضرات، أصبحت منعزلاً عن الآخرين، أشعر بأن الحياة لا طعم لها وأشعر بأن الموت قد يكون راحةً لي، راجعت طبيبا نفسيا فوصف لي دواء مضادا للاكتئاب ولكن والدي لا يؤمن بهذه الأمور النفسية، وقال بأن ما أعاني منه هو كسل وعدم مبالاة بالدراسة، ولا أدري حقيقة ماذا أفعل؟ أرجو أن ترد على رسالتي هذه، جزاك الله كل الخير.
م.غ

أخي العزيز، لقد نشرت رسالتك بعد أن حذفت منها بعض الجمل والمقاطع التي لا تُغيّر في الموضوع. ما تمر به فعلاً - كما وصفته أنت - مرحلة في غاية الصعوبة، فدخولك للكلية من الأساس كان خطأ كبيرا وقعت فيه، كان من الأفضل أن يزعل الوالد لفترة في البداية وبعد ذلك يقتنع باختيارك. الخطأ مشترك بينك وبين والدك، فكان يجب على والدك المتعلم الحاصل على شهادة الدكتوراه أن يعرف بأنه ليس بالضرورة أن يكون أبناؤه مثله؛ لكل شخص قدرات تختلف من شخص لآخر، فقد يكون والدك من الأشخاص الذين لديهم قدرات عالية في الدراسة فاختار الكلية التي يرغبها ونجح فيها، ولكن هذا لا يعني بأن أبناءه لديهم نفس القدرات، فكان من المنطق ألا يجبرك حتى ولو بطريقة لطيفة بالالتحاق بكلية لا ترغب أنت فيها. يبدو أن شخصية الوالد قوية ومسيطرة لذلك لم تستطع أن تواجهه برغبتك الحقيقية وعدم رغبتك في دخول هذه الكلية.. لا يهم فهذا الكلام ماض ولكن لكي يتنبه الآباء ويراعوا هذه الأمور بالنسبة لمستقبل الأبناء وأن يتركوا للأبناء اختيار ما يرغبون ويتركون لهم حرية الاختيار حتى وإن كان الأب يرى بأن اختيار الابن غير صحيح فليدعه يتحمل نتيجة اختياره وعواقب ما أقدم عليه.. على الأب تقديم النصيحة للابن ولكن يترك الخيار النهائي له في الالتحاق بالكلية التي يرغبها. كم من فتى وفتاة ذهبت ضحية لدكتاتورية الوالدين في الالتحاق بكلية معينة ويكون الابن أو الابنة غير راغبين في ذلك، وربما قضى على طموحهما في الدراسة.

بالنسبة لك يا أخي العزيز، أرى بأن تحذف الفصل الدراسي وتواصل علاجك مع الطبيب النفسي وأن تواصل تناول الدواء المضاد للاكتئاب.

يجب أن تناقش والدك، وحبذا لو كان هناك شخص قريب من الوالد يساعد في الوصول لحل بينكما، خاصة وأنت الآن في بداية المرحلة الدراسية الجامعية وأمامك طريق طويل. يجب أن يكون النقاش والحوار صريحا بخصوص مستقبلك بشكل عام، هل تنوي أن تكمل في هذه الكيلة أم تتركها وتلتحق بكلية تتناسب مع قدراتك العلمية. أعرف بأن هذا القرار أو هذه المناقشة والحوار قد تكون صعبة جداً ولكن لابد منها، وأتمنى لك كل التوفيق في مستقبلك حسب ما تختاره أنت أو ما يناسبك أنت شخصياً، سواء أكملت في هذه الكلية أو ذهبت إلى كلية أخرى.

د. إبراهيم الخضير، الرياض - الصحة والحياة talalzari.com