• ×
admin

جهاد النفس المطاطة

جهاد النفس المطاطة


عفراء جلبي

كلنا نسمع أن التوتر لا يناسبنا وتنهال علينا كميات من النصائح لتهدئة أعصابنا في عصر السرعة والتخمة والضجة. ولكن في نفس الوقت إنه عصر العلم وعصر التطورات والتغيرات العجيبة. فأين نقف؟ هل يعني الهدوء والطمأنينة أن نجلس على كرسي من الفراش الوثير في حالة من الخمول والهدوء، أو أن نركض ونلهث وراء النجاح بأي ثمن؟
قبل أيام قرأت شيئا جعلني أشعر رغم قلة الأسطر أنه يحوي فلسفة حيوية تجعلنا نفهم الحياة أكثر. كانت الكاتبة م. ج. ريان تقول إن التطور والتعلم هو وضع ثالث يحدث بين منطقتين في الذهن. الراحة التامة، والتوتر الكامل، يقع ما سمته «المط». أي حالة تجعل الإنسان يُمط كما يمط العجين أو المطاط. وهي تستشهد بتعلم التزلج على الثلج، فتقول أن تجلس في البيت فهذه منطقة الراحة التامة. لا تغير شيئا. وأن تحاول أن تتزلج على ما يسموه الجبل الألماسي الأسود هو التوتر الكامل وقد يقتلك أيضا، وهنا لا يحدث تعلم. ولكن إن بدأت تتعلم التزلج على تلال صغيرة، فعندها تكون دخلت في حالة المط. لأنك تكون تتحدى نفسك وتمطها خارج منطقة الراحة التامة ولكن في نفس الوقت أيضا تبقى خارج منطقة التوتر الكامل، وهنا يحدث التطور والتعلم الحقيقي.
وكل شيء نتعلمه بفعالية يقع في منطقة المط، حيث تصير درجة جيدة من الاستثارة ولكن في نفس الوقت خارج الروتين المعتاد، ولكن أيضا ليس لدرجة قاتلة تجعلك تصاب بالإحباط أو التوتر الشديد أو حتى الخطر حسب ما تتعلمه. والجميل في هذه النظرية أن إم. ج. رايان تقول إن منطقة المط «هدف متحرك» دائما. فأنت إن تعلمت التزلج على التلال الصغيرة، صارت هذه منطقة الراحة عندك وصار الجبل الكبير هو منطقة المط. أي كلما حققت درجة من المهارة والإتقان تكون عندك منطقة تالية ويتغير موقع المط، حيث يصير ما تعلمته هو الراحة، مثل المنزل الذي اعتدت سكنه، وعندها تدفع نفسك للأمر الآخر.
هذه النظرية تعبر عن الحياة كلها. فنحن نستحب ونسترطب ما نعتاد عليه، ولا «نمط» أنفسنا تجاه مراحل أعلى أو إتقان أكبر. وهذا ينطبق على كل شيء. حياتنا الفكرية، حياتنا المنزلية اليومية، عباداتنا، قراءتنا، أخلاقنا وعاداتنا. هل تفكر كيف يمكن أن تكون موظفا ناجحا أكثر، أو أبا حاضرا أكثر؟ وهذا لا يعتمد على المردود من الآخرين، وإنما ما نتوقعه من أنفسنا. إن مراقبة المنطقة التي نحن فيها، ومحاولة معرفة المنطقة التالية تجعلنا نتغير بشكل دائم، ويكون هذا التغير نحو الامتياز. وكثير منا لا يفرق بين الكمال والامتياز فنقبل الاستقرار في مراحل متوسطة لأننا نعتقد أن الكمال مستحيل.
وعندما نفهم هذه المناطق الثلاث، منطقة الراحة، منطقة المط، منطقة التوتر، فإننا سنصبح قادرين على أن نبسط أشرعتنا في بحر الحياة بشكل أجمل وبثقة أكبر. فلا يعني أن جهلنا وعدم اتقاننا لشيء ما اليوم لن يتغير في الغد. وعندما نبدأ نعرف كيف «نمط» أشرعتنا سنتوقف عن الصراخ ضد الهواء، وعكس الريح، وسنتوقف عن إصدار أوامرنا للأمواج. وربما عندها يتراجع الطاغوت الصغير الذي يقبع داخلنا يريد تغيير كل شيء من حولنا، فيساعدنا الهدوء على تغيير أنفسنا، تلك المساحة الوحيدة التي لنا حق إصدار أوامرنا تجاهها. ولكن نتجاهل، ونشغل أنفسنا الدكتاتورية التي تجمدت على العادة بمحاولات فاشلة لشد ومط الدنيا من حولنا ومن حولنا، بدل مط أنفسنا. وهذا هو الجهاد الأكبر. الخروج اليومي من منطقة الراحة.


المصدر: صحيفة اليوم
بواسطة : admin
 0  0  1813