• ×
admin

براكين إثيوبيا والسعودية.. حقائق علمية بلا تهويل

براكين إثيوبيا والسعودية.. حقائق علمية بلا تهويل

أ.د. محمد رشاد بن حسن مفتي

في الأيام الأخيرة، وبعد ثوران بركان هيلي غوبي (أو هاييلي غوبي) في إثيوبيا، اشتعل الجدل على وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، وبدأ البعضُ يربط بين هذا الحدث، وبين براكين المملكة العربيَّة السعوديَّة، لكنَّ مثل هذا الربط غير دقيق علميًّا، ويثير مخاوف لا مبرِّر لها. فبركان هاييلي غوبي يقع في منطقة عفار، ضمن الصدع الإفريقي العظيم، حيث تتباعد أطراف المنطقة هناك، وكأنَّها جرح على سطح الأرض يتَّسع شيئًا فشيئًا؛ ممَّا يسمح للصهارة بالصعود والتفجُّر في بيئة نشطة بطبيعتها. الثوران الأخير في نوفمبر 2025، كان الأوَّل منذ 10 آلاف عام أو أكثر، وقد أرسل رمادًا ارتفع لمسافات كبيرة، أثَّر على حركة الطيران في بعض الدول المجاورة، وهو نوع من النشاط يُعدُّ طبيعيًّا في مناطق التصدُّع القاريِّ.

في المقابل، تختلف براكين المملكة اختلافًا جذريًّا، إذ إنَّ الحرَّات البركانية تشكَّلت قبل ملايين السِّنين، مرتبطة بانفتاح البحر الأحمر؛ نتيجة تمدُّد داخليٍّ، أو نشاط نقاط ساخنة داخل اللَّوح العربيِّ، وهي براكين من نوع أُحادي النَّشأة، ما يعني أنَّ الفوَّهة الواحدة تشهد ثورانًا واحدًا فقط، ثمَّ تنطفئ ولا تعيد نشاطها من الفتحة نفسها. ومن أبرز الأحداث التاريخيَّة المرتبطة بهذه الحرَّات ذلك الثَّوران الذي وقع سنة 654 هجري (1256 ميلادي)، قبل نحو 800 عام تقريبًا، والذي أنتج لابَّة بازلتيَّة داكنة، اندفعت من شقوق أرضيَّة جديدة، وقطعت مسافات ملحوظة قبل أنْ تتوقف. ورغم حضوره الواضح في السجلَّات التاريخيَّة، إلَّا أنَّ طبيعته كانت أهدأ بكثير، وأقل قوَّة مقارنةً بما حدث في بركان هاييلي غوبي، كما أنَّ تأثيره بقي محصورًا محليًّا، ولم يكن ذا طابعٍ انفجاريٍّ كبير كالذي تشهده البيئات النَّشطة مثل عفار.

ومنذ ذلك الوقت، لم يُسجَّل أيُّ ثورانٍ بركانيٍّ فعليٍّ في المملكة، رغم بعض الاهتزازات الخفيفة التي تخضع للمتابعة الدَّائمة. الفارق الجوهريُّ أنَّ براكين إثيوبيا تتغذَّى من حركة صفائح نشطة، تجعلها قابلةً للثوران في أيِّ وقت، بينما براكين المملكة خامدةٌ، أو منطفئةٌ عمليًّا، ولا توجد دلائل علميَّة تشير إلى عودتها، ما يجعل الربط بين الحدثين مجرَّد تشابه ظاهريٍّ لا يستند إلى أسس علميَّة. هذا الجدل يعكس الحاجة إلى تعزيز الوعي العلميِّ، بدلًا من إثارة المخاوف، فبراكين المملكة جزءٌ من إرثٍ جيولوجيٍّ جميلٍ، مثل فوَّهة الوعبة في حرَّة كشب، وجبل قدر في حرَّة خيبر. وأخيرًا، فإن الحرات البركانية الاثنتي عشرة الممتدة في الجزء الغربي من المملكة، من شمالها إلى جنوبها، تضم أعدادًا كبيرة من البراكين الصغيرة التي تكونت وخمدت، وانتهى نشاطها منذ زمن طويل، مما يجعل وجودها اليوم إرثًا جيولوجيًّا لا أكثر. نحن لسنا اليابان، أو إندونيسيا، حيث لا تهدأ البراكين، ولا تتوقَّف عن النشاط، كما أنَّ هناك جهاتٍ علميَّةً متخصِّصة تراقب التطوُّرات الزلزاليَّة والبركانيَّة بدقَّة، وتصدر تقاريرها بشكل مستمر، ولا داعي لصناعة سيناريوهات كارثيَّة لا تستند إلى واقع.

المدينة
بواسطة : admin
 0  0  4