مفهوم التصحر.. قراءة مرجعية في الدلالات المعرفية والبيئية
مفهوم التصحر.. قراءة مرجعية في الدلالات المعرفية والبيئية
أ.د. يحيى بن محمد شيخ أبو الخير
يُعدّ مفهوم «التصحر Desertification» الذي أشتقه أوبرفل (Aubreville) عام 1949م من أكثر المفاهيم البيئية تداولًا في الأدبيات العلمية المعاصرة إذ اعتمدته المنظمات الدولية فيما بعد، بطلب من بعض الدول النامية للحصول على دعم دولي لحل التحديات البيئية في أوطانهم، وصفاً لتدهور الأراضي الخصبة في المناطق الجافة وشبه الجافة نتيجة عوامل بشرية وطبيعية (UNCCD 2021). أما تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فيُعِدُّ «التصحر» حالة خاصة من حالات التدهور البيئي التي تحدث ضمن النطاقات الجافة وشبه الجافة (IPCC,2019)، بينما تعَدُّ تلك الحالة في الوقت نفسه مؤشراً لتدهور الإنتاجية الحيوية للأرض حسب أجندات (UNEP, 2019).
وأجدني أتفق ابتداءً في مقالي هذا مع سويفت وبارون اللذين يريان أن مفهوم «التصحر» يحمل في الغالب دلالات لغوية ومعرفية وبيئية تُسقِطُ على الصحراء سمات لا تتسق مع حقيقتها كنظام بيئي متوازن له ديناميكياته الحيوية الخاصة (Swift الجزيرة Barron 2008). بل أعتقد، إضافة الى ما سبق، أن الاسقاط المنوه عنه أعلاه قد أفضي في زعمي الى التباس مفاهيمي بين «الصحراء» بوصفها نظاما مرجعياً بيئياً متوازناً و»التصحر» بوصفه حالة اختلال أو تراجع في القدرة الإنتاجية لأي نظام بيئي في العالم. ويرجع ثوماس وميدلتون أسباب هذا الالتباس الى أسقاطٍ لمفهوم «التصحر» على الطبيعة الصحراوية حسب رأيهما دونما مبررات معرفية مقنعة واصفينه «بالخرافة التي روجت لها هيئة الأمم المتحدة لاستقطاب مشاريع نفذت بزعمهما وفقاً لبرامج لم تقم على أسس علمية قوية (Thomas, الجزيرة Middleton 1994).
كما طالب كل من الباحثين في المرجع الآنف الذكر المجتمع الدولي بضرورة إعادة تعريف مفهوم «التصحر» ليعكس حقيقة تعقيدات التغيرات البيئية في المناطق الجافة من ناحية ويعزز فرص التعاون الأمثل بين علماء الطبيعة والإنسان للوصول الى حلول منطقية فاعلة لمشكلات تلك البيئات من ناحية أخرى.
أما مورتيمور وبنهكي فقد أشارا في سياق نقدهما لمفهوم «التصحر» إلى الخلل المعرفي الذي يعكر صفو هذا المفهوم وخاصة بعد أن أضحى في رأيهما أداة سياسية عديمة الأهمية نتيجة لتزايد ضعف بنيته العلمية والمنهجية على حد سواء، مؤكدين في هذا الصدد بأن أغلب البيئات الجافة ليست متدهورة كما يُروَّج عادة في الخطابات البيئية التقليدية (Behnke, الجزيرة Mortimore 2016). وفي ذات السياق الآنف الذكر، يؤكد رينولدز وآخرون في ورقة علمية مشتركة أن الصحاري ليست نظمًا ميتة، بل هي بيئات معقدة تتميز بقدرات تكيفية عالية على المستويين الحيوي والجيولوجي (Reynolds et al., 2007).
وفي المقابل تَعتبرُ بعض الدراسات الخاصة بالجغرافيا الطبيعية لمنطقة الخليج العربي صحراء الجزيرة العربية ومنها على وجه الخصوص صحاري المملكة العربية السعودية نظماً جيومورفولوجيًة وبيئية متنوعة، غنية بالخزائن السطحية والباطنية، ومتماسكة عبر الزمن نتيجة لتأثير مختلف العوامل التكوينية على نظمها الطبيعية (Alsharhan الجزيرة Kendall, 2003).
كما أبرزت دراسة أجريت حديثاً في جبل شدا بجنوب المملكة العربية السعودية امتلاك الأقاليم شبه الجافة بالمملكة لغطاءات نباتية ذات قدرات ذاتية على التجدد عند توفر ظروف الإدارة المستدامة للموارد (Al-harbi, at.al., 2024).
إن ما ورد في الأدبيات الآنف ذكرها أعلاه ينقض في رأيي الأطر المرجعية الدولية التي تربط مفهوم «التصحر» الذي يعني «الاضمحلال والتدهور والاختلال» بظاهرة «الصحراء» التي تعني «الحياة والتجدد والنماء»، بل وتؤكد صحة الآراء المتعلقة بعدم اتساق مفهوم «التصحر» من حيث الدلالات اللغوية والمعرفية والبيئية مع سمت «الصحراء» وحقيقتها كنظام بيئي متوازن له ديناميكياته الحيوية الخاصة. بل ويمكن القول إن بعض الأطر المرجعية الآنفة الذكر ربما تميل بشكل أو آخر الى ضرورة الفصل المفاهيمي بين البيئة الصحراوية ذات الكيان المتوازن وبين التدهور الذي قد يصيبها أو يصيب أي نظام بيئي آخر مغاير لها شكلا وجوهرا.
واعتمادا على العديد من الأدبيات ذات العلاقة المرجعية بموضوع هذا المقال يمكن القول أيضاً بأن أبرز ما يواجه مفهوم «التصحر» في رأيي هو الارتباك المفاهيمي المتعلق دلالياً بالتصنيفات اللغوية التي قد يؤدي توظيفها دونما أسانيد معرفية دقيقة إلى تصورات ظاهراتية بيئية خاطئة علميا. وعلى الرغم ما للمفهومين «الصحراء» و «التصحر» من تشابه بطبيعة الحال في الاشتقاق والتركيب الدلالي اللغوي مرجعياً إلا أن البون بينهما في البعدين العلمي والمفاهيمي في رأيي شاسع جدا وخاصة في مناهج النظر واطر البحث وأساليبه ومجالاته الأبستمولوجية المتنوعة. واستنادا على هذا البون المعرفي الشاسع بين المفهومين الآنفين الذكر تزداد الفرص التي تؤكد أن الصحراء في أي مكان في العالم هي نظامٌ بيئيٌ حي متجدد ذو هوية طبيعية مستقلة فريدة.
كما تؤكد تلك الفرص المتنامية أن مفهوم «التصحر» يعد من جانب آخر وسماً لبيئة غير حيوية لا يصح بطبيعة الحال توظيفه معرفيا في تشبيه الأقاليم غير الصحراوية التي تتدنى انتاجيتها أو يقل عطاؤها بـ «الصحراء»، كما لا يصح من باب أولى استخدامه أيضاً وصفاً للتدهور الذي تتعرض له البيئات الصحراوية في العالم حيث إن استخدامه داخل نطاقه الصحراوي قد يُفضي إلى نتائج معرفية وايكولوجية مضللة للغاية.
وصلاً لهذه الفكرة بما سبق، فلنفترض مثلاً أن غابات إفريقيا أو الأمازون قطعت فجرفت تربتها، أو أن بعض أراضي الغرب الأوروبي تملحت ففقدت خصوبتها أو أن امطار بعض الولايات الأمريكية قلت فنضبت أنهارها أو تلوثت، فهل يحق لنا الحكم على تلك المناطق بـ «التصحر»؟ والجواب عندي حتماً بالنفي لا بالإيجاب، ذلك لأن تشكل تلك التغيرات البيئية الآنفة الذكر وما شابهها وانضاف اليها لن يحرم تلك الأقاليم بطبيعة الحال من الاحتفاظ بخصائص أمزجتها الطبيعية الأصلية التي تختلف بيئيا بكل تأكيد عن الأمزجة الطبيعية للصحاري التي شبهت بها شكلاً وجوهراً. وبناءً على ذلك، أعتقد أنه من غير من المناسب أن يُنحَت من اسم الصحراء المتوازنة بيئيا مصطلح «التصحر» ليستخدم مفاهيمياً وصفاً لبيئة اختل نظامها أو اضمحل سواء كانت تلك البيئة صحراوية بطبعها أو غير صحراوية. وخروجا من هذا المأزق المعرفي الكؤود، أقترح استبدال مفهوم «التصحر» بمفهوم آخر هو «التدهور البيئي Environmental degradation» الذي تعده المنظمات العالمية العبارة المفتاحية الأساسية في تعريفاتها المرجعية لمفهوم «التصحر» (راجع فضلا العبارات الواردة في استهلال المقال للوقوف على تعريفات هذا المفهوم الذي تبنته بعض المنظمات الدولية من مثل UNCCD وUNEP وIPCC).
وأعتقد أن مفهوم «التدهور البيئي» يعد تعبيرا دلالياً محايداً لا يرتبط بهويات بيئات معينة، فضلا عن دقته المعرفية وشمول وصفه لكافة حالات اختلال النظم البيئية في العالم بما فيها البيئات الصحراوية، وتوافقه في الوقت نفسه مع منهجيات القياس الحديثة في العلوم البيئية. ولذلك فإن إعادة النظر في مفهوم «التصحر» أمر لا ينبغي أن يعد في رأيي مجرد تصويبٍ عابر لدلالات لغوية ومعرفية فحسب، بل خطوة تطبيقية ضرورية لبناء وعي علمي مفاهيمي بيئي دقيق من ناحية وبلورة دراسات مستقبلية مقارنة جادة من ناحية أخرى بين النظم البيئية الصحراوية والنظم البيئية الأخرى في العالم.
كما قد تؤدي هذه الخطوة التصحيحية الى فهمٍ معرفيٍ دقيقٍ لأنماط التدهور البيئي للنظم الصحراوية بعيدا عن التحميلات اللغوية المتحيزة ودلالاتها المعرفية والبيئية غير المحايدة التي قد تعيق تطوير خطاب مفاهيمي علمي جديد يفك الارتباط الاصطلاحي بين «الصحراء» و»التصحر».
المراجع
Alsharhan, A. S., الجزيرة Kendall, C. G. St. C. (2003). Holocene coastal carbonates and evaporites of the southern Arabian Gulf and their ancient analogues. Earth Science Reviews, 61, 191-243.
Behnke, R. H., الجزيرة Mortimore, M. (2016). The End of Desertification? Disputing Environmental Change in the Drylands. Springer.
Reynolds, J. F., et al. (2007). Global desertification: building a science for dryland development. Science, 316, 847-851.
Swift, M. J., الجزيرة Barron, J. (2008). Dryland ecosystem characteristics and assessment, Annual Review of environment and Resources
Thomas, D. S. G., الجزيرة Middleton, N. J. (1994). Desertification: Exploding the Myth. John Wiley الجزيرة sons Ltd
الجزيرة
أ.د. يحيى بن محمد شيخ أبو الخير
يُعدّ مفهوم «التصحر Desertification» الذي أشتقه أوبرفل (Aubreville) عام 1949م من أكثر المفاهيم البيئية تداولًا في الأدبيات العلمية المعاصرة إذ اعتمدته المنظمات الدولية فيما بعد، بطلب من بعض الدول النامية للحصول على دعم دولي لحل التحديات البيئية في أوطانهم، وصفاً لتدهور الأراضي الخصبة في المناطق الجافة وشبه الجافة نتيجة عوامل بشرية وطبيعية (UNCCD 2021). أما تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فيُعِدُّ «التصحر» حالة خاصة من حالات التدهور البيئي التي تحدث ضمن النطاقات الجافة وشبه الجافة (IPCC,2019)، بينما تعَدُّ تلك الحالة في الوقت نفسه مؤشراً لتدهور الإنتاجية الحيوية للأرض حسب أجندات (UNEP, 2019).
وأجدني أتفق ابتداءً في مقالي هذا مع سويفت وبارون اللذين يريان أن مفهوم «التصحر» يحمل في الغالب دلالات لغوية ومعرفية وبيئية تُسقِطُ على الصحراء سمات لا تتسق مع حقيقتها كنظام بيئي متوازن له ديناميكياته الحيوية الخاصة (Swift الجزيرة Barron 2008). بل أعتقد، إضافة الى ما سبق، أن الاسقاط المنوه عنه أعلاه قد أفضي في زعمي الى التباس مفاهيمي بين «الصحراء» بوصفها نظاما مرجعياً بيئياً متوازناً و»التصحر» بوصفه حالة اختلال أو تراجع في القدرة الإنتاجية لأي نظام بيئي في العالم. ويرجع ثوماس وميدلتون أسباب هذا الالتباس الى أسقاطٍ لمفهوم «التصحر» على الطبيعة الصحراوية حسب رأيهما دونما مبررات معرفية مقنعة واصفينه «بالخرافة التي روجت لها هيئة الأمم المتحدة لاستقطاب مشاريع نفذت بزعمهما وفقاً لبرامج لم تقم على أسس علمية قوية (Thomas, الجزيرة Middleton 1994).
كما طالب كل من الباحثين في المرجع الآنف الذكر المجتمع الدولي بضرورة إعادة تعريف مفهوم «التصحر» ليعكس حقيقة تعقيدات التغيرات البيئية في المناطق الجافة من ناحية ويعزز فرص التعاون الأمثل بين علماء الطبيعة والإنسان للوصول الى حلول منطقية فاعلة لمشكلات تلك البيئات من ناحية أخرى.
أما مورتيمور وبنهكي فقد أشارا في سياق نقدهما لمفهوم «التصحر» إلى الخلل المعرفي الذي يعكر صفو هذا المفهوم وخاصة بعد أن أضحى في رأيهما أداة سياسية عديمة الأهمية نتيجة لتزايد ضعف بنيته العلمية والمنهجية على حد سواء، مؤكدين في هذا الصدد بأن أغلب البيئات الجافة ليست متدهورة كما يُروَّج عادة في الخطابات البيئية التقليدية (Behnke, الجزيرة Mortimore 2016). وفي ذات السياق الآنف الذكر، يؤكد رينولدز وآخرون في ورقة علمية مشتركة أن الصحاري ليست نظمًا ميتة، بل هي بيئات معقدة تتميز بقدرات تكيفية عالية على المستويين الحيوي والجيولوجي (Reynolds et al., 2007).
وفي المقابل تَعتبرُ بعض الدراسات الخاصة بالجغرافيا الطبيعية لمنطقة الخليج العربي صحراء الجزيرة العربية ومنها على وجه الخصوص صحاري المملكة العربية السعودية نظماً جيومورفولوجيًة وبيئية متنوعة، غنية بالخزائن السطحية والباطنية، ومتماسكة عبر الزمن نتيجة لتأثير مختلف العوامل التكوينية على نظمها الطبيعية (Alsharhan الجزيرة Kendall, 2003).
كما أبرزت دراسة أجريت حديثاً في جبل شدا بجنوب المملكة العربية السعودية امتلاك الأقاليم شبه الجافة بالمملكة لغطاءات نباتية ذات قدرات ذاتية على التجدد عند توفر ظروف الإدارة المستدامة للموارد (Al-harbi, at.al., 2024).
إن ما ورد في الأدبيات الآنف ذكرها أعلاه ينقض في رأيي الأطر المرجعية الدولية التي تربط مفهوم «التصحر» الذي يعني «الاضمحلال والتدهور والاختلال» بظاهرة «الصحراء» التي تعني «الحياة والتجدد والنماء»، بل وتؤكد صحة الآراء المتعلقة بعدم اتساق مفهوم «التصحر» من حيث الدلالات اللغوية والمعرفية والبيئية مع سمت «الصحراء» وحقيقتها كنظام بيئي متوازن له ديناميكياته الحيوية الخاصة. بل ويمكن القول إن بعض الأطر المرجعية الآنفة الذكر ربما تميل بشكل أو آخر الى ضرورة الفصل المفاهيمي بين البيئة الصحراوية ذات الكيان المتوازن وبين التدهور الذي قد يصيبها أو يصيب أي نظام بيئي آخر مغاير لها شكلا وجوهرا.
واعتمادا على العديد من الأدبيات ذات العلاقة المرجعية بموضوع هذا المقال يمكن القول أيضاً بأن أبرز ما يواجه مفهوم «التصحر» في رأيي هو الارتباك المفاهيمي المتعلق دلالياً بالتصنيفات اللغوية التي قد يؤدي توظيفها دونما أسانيد معرفية دقيقة إلى تصورات ظاهراتية بيئية خاطئة علميا. وعلى الرغم ما للمفهومين «الصحراء» و «التصحر» من تشابه بطبيعة الحال في الاشتقاق والتركيب الدلالي اللغوي مرجعياً إلا أن البون بينهما في البعدين العلمي والمفاهيمي في رأيي شاسع جدا وخاصة في مناهج النظر واطر البحث وأساليبه ومجالاته الأبستمولوجية المتنوعة. واستنادا على هذا البون المعرفي الشاسع بين المفهومين الآنفين الذكر تزداد الفرص التي تؤكد أن الصحراء في أي مكان في العالم هي نظامٌ بيئيٌ حي متجدد ذو هوية طبيعية مستقلة فريدة.
كما تؤكد تلك الفرص المتنامية أن مفهوم «التصحر» يعد من جانب آخر وسماً لبيئة غير حيوية لا يصح بطبيعة الحال توظيفه معرفيا في تشبيه الأقاليم غير الصحراوية التي تتدنى انتاجيتها أو يقل عطاؤها بـ «الصحراء»، كما لا يصح من باب أولى استخدامه أيضاً وصفاً للتدهور الذي تتعرض له البيئات الصحراوية في العالم حيث إن استخدامه داخل نطاقه الصحراوي قد يُفضي إلى نتائج معرفية وايكولوجية مضللة للغاية.
وصلاً لهذه الفكرة بما سبق، فلنفترض مثلاً أن غابات إفريقيا أو الأمازون قطعت فجرفت تربتها، أو أن بعض أراضي الغرب الأوروبي تملحت ففقدت خصوبتها أو أن امطار بعض الولايات الأمريكية قلت فنضبت أنهارها أو تلوثت، فهل يحق لنا الحكم على تلك المناطق بـ «التصحر»؟ والجواب عندي حتماً بالنفي لا بالإيجاب، ذلك لأن تشكل تلك التغيرات البيئية الآنفة الذكر وما شابهها وانضاف اليها لن يحرم تلك الأقاليم بطبيعة الحال من الاحتفاظ بخصائص أمزجتها الطبيعية الأصلية التي تختلف بيئيا بكل تأكيد عن الأمزجة الطبيعية للصحاري التي شبهت بها شكلاً وجوهراً. وبناءً على ذلك، أعتقد أنه من غير من المناسب أن يُنحَت من اسم الصحراء المتوازنة بيئيا مصطلح «التصحر» ليستخدم مفاهيمياً وصفاً لبيئة اختل نظامها أو اضمحل سواء كانت تلك البيئة صحراوية بطبعها أو غير صحراوية. وخروجا من هذا المأزق المعرفي الكؤود، أقترح استبدال مفهوم «التصحر» بمفهوم آخر هو «التدهور البيئي Environmental degradation» الذي تعده المنظمات العالمية العبارة المفتاحية الأساسية في تعريفاتها المرجعية لمفهوم «التصحر» (راجع فضلا العبارات الواردة في استهلال المقال للوقوف على تعريفات هذا المفهوم الذي تبنته بعض المنظمات الدولية من مثل UNCCD وUNEP وIPCC).
وأعتقد أن مفهوم «التدهور البيئي» يعد تعبيرا دلالياً محايداً لا يرتبط بهويات بيئات معينة، فضلا عن دقته المعرفية وشمول وصفه لكافة حالات اختلال النظم البيئية في العالم بما فيها البيئات الصحراوية، وتوافقه في الوقت نفسه مع منهجيات القياس الحديثة في العلوم البيئية. ولذلك فإن إعادة النظر في مفهوم «التصحر» أمر لا ينبغي أن يعد في رأيي مجرد تصويبٍ عابر لدلالات لغوية ومعرفية فحسب، بل خطوة تطبيقية ضرورية لبناء وعي علمي مفاهيمي بيئي دقيق من ناحية وبلورة دراسات مستقبلية مقارنة جادة من ناحية أخرى بين النظم البيئية الصحراوية والنظم البيئية الأخرى في العالم.
كما قد تؤدي هذه الخطوة التصحيحية الى فهمٍ معرفيٍ دقيقٍ لأنماط التدهور البيئي للنظم الصحراوية بعيدا عن التحميلات اللغوية المتحيزة ودلالاتها المعرفية والبيئية غير المحايدة التي قد تعيق تطوير خطاب مفاهيمي علمي جديد يفك الارتباط الاصطلاحي بين «الصحراء» و»التصحر».
المراجع
Alsharhan, A. S., الجزيرة Kendall, C. G. St. C. (2003). Holocene coastal carbonates and evaporites of the southern Arabian Gulf and their ancient analogues. Earth Science Reviews, 61, 191-243.
Behnke, R. H., الجزيرة Mortimore, M. (2016). The End of Desertification? Disputing Environmental Change in the Drylands. Springer.
Reynolds, J. F., et al. (2007). Global desertification: building a science for dryland development. Science, 316, 847-851.
Swift, M. J., الجزيرة Barron, J. (2008). Dryland ecosystem characteristics and assessment, Annual Review of environment and Resources
Thomas, D. S. G., الجزيرة Middleton, N. J. (1994). Desertification: Exploding the Myth. John Wiley الجزيرة sons Ltd
الجزيرة