• ×
admin

لماذا يفعلُ اللهُ ذلك للطيِّبين؟

لماذا يفعلُ اللهُ ذلك للطيِّبين؟


نجيب الزامل

.. « لماذا يرسل اللهُ سوءَ الحظ للناس الطيبين، يكون شخصٌ في قمّةِ تألقهِ، وبدأ يرى طريقَ النجاح الباهر والشهرةَ الواسعة، بعد ضنى وجهدٍ وعرقٍ ودموعٍ وآلام، ثم، وبلا إنذارٍ، ينتهي كل ذلك.. بلحظة؟!»
ذاك كان أول ما برسالةٍ بالإنجليزية وصلتني من قارئ أعطى لنفسه لقبا هو «برَكة». وراحت محاولاتي لمعرفة جنسيته هباءَ، فأرسلتُ له ليكشف المزيد من شخصيته لاهتمامي به، وبما أورده. على أن هذه لا يشيبُ موضوعَنا في نصاعةِ معناه، وجوهرِ غرضِهِ. وأنقل لكم ترجمةً أهم ما في الخطاب:
« كان أبي مراسلا بسيطاً بشركةٍ نقلٍ أمريكية لها فرعٌ عاملٌ في مدينتي.. وزرتُ يوماً ناديا قريبٍا لمنزلنا. ولقوّةٍ في بنياني، وحِدّةِ تفاصيل عضلاتي، وارتفاع وقوة كتفـَي، طلب مني المدربُ أن أشارك بلعبة «رمي القرص» كتجربة.. علمني تكتيك الرمي الأول، ثم تناولت القرصَ، وعدتُ ست خطواتٍ للوراء، وانطلقتُ رامياً القرص.. النتيجة: قاسوا المسافة التي سقط بها القرصُ، وكانت ضعف المسافة لأقرب واحدٍ من بقية اللاعبين!
فجأة، انفتحت الدنيا أمامي، وتم الاعتناء بي كما يُعتـَنى بالتحفةِ الفريدة، ووصل نجاحي للإعلام، ولوزارة الرياضة، فمُنِحتُ الجوائزَ السنية، وانهالتْ علي المبالغُ والعقود، وتم إدخالي أفضل مدرسةٍ تمهيدا للعناية بي حتى تخرجي في الجامعة. وتقاعد أبي سعيداً وفخورا. ووضعت قدمي على حياةٍ جديدةٍ تسطع فيها أنوارُ المجد الواعد..
من نشأتي الأولى كنتُ متديناً ملتزما، وأتبرع في تنظيف المسجد، وإعداد ما يحتاجه من صغري، وفي الثانية عشرة من عمري غاب الإمامُ فتقدمت مصلياً بالجماعة. وعندما توافر لي المالُ، صحيح أنه لم يكن ثروة، تبرعت بمعظمه للفقراء والمحتاجين، وبنيتُ غرفة مغاسل جديدةٍ في المسجد، وساعدت شيخاً وأبي للذهاب لمكة، حارماً نفسي من أجل ذاك الشيخ الذي كان الأملُ الوحيد الباقي في حياته أن يرى ويقبل الأرضَ الطاهرة.. وطلبت منهما أن يدعوَا لي، فبعد أسبوع ستبدأ التقييماتُ الفاصلة للألعابِ الأولمبية التمهيدية، واسمي صار يصنّف مع اللاعبين العالميين في القارّة.. وجاء اليومُ الفصلُ، وكلي ثقة عامرة بالإيمان، فقد عرفتُ أن في مكة تم الدعاء أمام الكعبة..
وأنا ذاهبٌ لموقع التقييم، يبدو أن حماستي سبقت إيقاع قدَمَيْ، فوقعتُ من سلم البيت..
في المستشفى قال الطبيبُ: «لديك خلعٌ شديدٌ في الكتفِ وتهتك في عضلات الربط.. ولن يمكنك ممارسة لعبتك مرة أخرى.»
فسألتُ نفسي: «لماذا يفعل اللهُ بي ذلك، وأنا إنسانٌ طيب؟!»
ألحقني أبي الكسيرُ بذات الشركة كعامل مستودع. عملتُ بجدٍّ ونشاط، فأنا، كما تتذكر، طاقةٌ متفجرةٌ من عنفوان الحيوية، مما جعل مديري «داني»، يعجب بي ويقرّبني، ثم عرض علي أن أذهب لـِ«تورنتو» ونبدأ كشريكين بعمل مشابهٍ في نقل البضائع.
وبالفعل ذهبت، واستقبلني رجلٌ من أصلٍ جامايكي صديق لـِ« داني»، ورتب إجراءات العمل، وبدأتُ أعملُ وحيداً في حافلةٍ صغيرةٍ، وتوسعت الطلبات، فاضطررتُ أن أستيعين بشابٍ من تونس، ثم بشابٍ مصري، ثم بأربعة أفارقة، ثم بكندي.. ولم يصل «داني» إلا وأصبح الفريقُ 23 شخصاً مع 12 حافلةٍ صغيرة.. أسطولٌ بمعنى الكلمة بالنسبة لي. واليوم نحن من أكبر شركات النقل (Movers ) في مدينة تورنتو.
ولما فتحتُ شركةً خاصة لي بعملٍ آخر، سألني أبي (الذي نقلته معي لتورنتو) ماذا ستسمي شركتك الجديدة؟ قلتُ بلا ترددٍ: «برَكة!»
عرفتُ أن اللهَ كان يخبئ لي أعظم مما كنت قادرا على تخيله، وأن له الحكمة في مكافأته لعباده الطيبين. أكتب لك هذا بعد أن اطلعت على مقالك: «لما تركتُ الصلاة».. لأخبرك، أن ذاكَ اليومَ الذي انخلع به كتفي.. كان أسعدَ يومٍ في حياتي!»

المصدر: صحيفة اليوم
بواسطة : admin
 0  0  1403