• ×
admin

التغذية العكسية في وسائل التواصل

التغذية العكسية في وسائل التواصل

د. عبدالله الزازان

إذا كانت سعادتنا تكمن في قوة روابطنا بالآخرين إلا أننا سمحنا لوسائل التواصل أن تعكر صفو هذا التواصل، ما سبب لنا انخفاضاً في كمية ونوعية صلاتنا الشخصية..

تعددت التفسيرات لمصطلح التغذية العكسية Feedback بتعدد الموجهات العلمية والثقافية والفكرية والحضارية، نلحظ ذلك في مختلف الاختصاصات التي تتقاسم هذا المصطلح كعلم الاتصال وعلم الإدارة وعلم النفس والعلوم الإجتماعية والفيزياء والكيمياء ونظم المعلومات والاقتصاد، فالمصطلح الواحد يصح أن يستعمل لمختلف المعاني وتوظيفه في مختلف الحقول، فقد نرى التغذية العكسية Feedback في الاقتصاد والإدارة ونظم المعلومات والتخطيط الاستراتيجي والاتصال.

وإن كان مصطلح التغذية العكسية متداولًا في الآونة الأخيرة في مجال الاتصال وتقنياته، وهو ما سوف يتركز عليه حديثنا عن التغذية العكسية.

يقول مؤلف كتاب (الإدارة القيادية الشاملة) عبدالله عبداللطيف العقيل، والذي ننقله بتصرف: إن التغذية العكسية عنصر حيوي من عناصر الاتصال الفاعل وتعني الإفادة الصحيحة والسريعة والتفاعل مع المرسل الذي بادر بالاتصال، على أن يكون الرد من المستقبل سريعاً ودقيقاً وإيجابياً سواء كان الرد على بريد عام أو فاكس أو بريد إلكتروني أو رسالة نصية أو هاتف أو نقل بوسيط ثالث، وإذا لم يتمكن المستقبل من الرد في الحال فإن عليه أن يخبر المرسل بالوقت المتوقع للرد ولا يحسن به أن يسكت فغياب التغذية العكسية يؤدي إلى نوع من خلل في العلاقة التواصلية مما يؤثر سلبًا على الأداء والفاعلية).

فمع ظهور شبكة الإنترنت حدثت تغيرات على مستوى وسائل الاتصال سواء الرسائل النصية أو الواتساب أو المكالمات الصوتية أو البريد الإلكتروني أو البرامج التطبيقية أو عبر أي وسيلة رقمية.

فالتطور التكنولوجي الكبير والسريع على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي جاء بعادات وقيم معيارية جديدة سلبًا أو إيجابًا، انعكست على العلاقات الشخصية، مما أفرز جدلاً لا ينتهي بين مدى فاعلية التواصل بالشكل التقليدي الكلاسيكي كالهاتف مثلاً أو بالشكل الافتراضي الرقمي على العلاقات الاجتماعية، مما أدخل العلاقات الاجتماعية في حالة توتر وارتياب بسبب غياب التغذية العكسية والتي أحدثت خللاً في بنية العلاقات الاجتماعية لأن هنالك اعتقاد لكل مرسل بأن كل رسالة نصية أو واتساب أو مكالمة صوتية يجب أن يرد عليها فورًا، وأن كل رسالة بريد إلكتروني يجب أن يرد عليها في الحال ولكن بعض الرسائل النصية تنتظر ساعات وأياما أو لا يرد عليها أبدًا، وتمكث رسائل البريد الإلكتروني في صندوق الوارد، ويكون القلق والتوتر والارتياب والشكوك هو الثمن.

ولكن رغم أن الاتصالات النصية الفورية تسبب القلق والتوتر إلا أن معظم الناس يفضلونها على المحادثات الهاتفية، فقد أصبحت اليوم تحظى بشعبية واسعة على مستوى العالم والوسيلة الأكثر استخدامًا وتداولاً في وسائل التواصل، ولكن بعض المجتمعات لديها القدرة على التحكم في نظامها التواصلي ولا تشعر بأدنى حرج في طريقة تواصلها مع الآخرين، فطبيعة التواصل مقترنة بقدر الحاجة إليها وليس بتوظيفها خارج نطاقها، في الوقت الذي تكون فيه مجتمعات أخرى توظف وسائل التواصل للتسلية والردود والتعقيبات والمناوشات والمهاوشات والاستعراض والثرثرة الكلامية والإطناب والتكرار والكلام الفضفاض ونشر أشياء مستهلكة ومكررة ونقل أفكار قديمة وإعادة نشرها عدة مرات، وهناك تفسير لهذا الخلل، وهو أن البعض لا يحسن التفكير المنطقي ودفع تهمة عدم الاطلاع، ونحن نعتقد أن الناس يستحقون أفضل من هذه المعاملة.

فالتغذية العكسية مهارة اتصالية مهمة للغاية قد تكون سريعة أو بطيئة أو متأخرة، وقد تكون إيجابية أو سلبية، إلا أنه لمن لا يحسنها تترك حساسية شخصية وأثرًا عكسيًا على العلاقات الشخصية.

وإن كان الناس يختلفون في مدى فهمهم لطبيعة ومهارات التواصل الاجتماعي ولكن تظل الاستجابة المتبادلة بين المرسل والمستقبل المقياس الحقيقي للحكم على مدى فاعلية عملية الاتصال.

وإن كان لا يوجد دراسات عن مدى شعور الناس بالقلق عندما لا يتلقون ردًا على رسائلهم، إلا أنه يخلق لهم مستويات من التوتر.

فوفقاً لجمعية علم النفس الأميركية فإن حالة الانتظار هي التي تقود إلى القلق الشديد المرتبط بالرد على وسائل يفترض أنها فورية، ولكن كم من الوقت ينبغي علينا الانتظار، يقول علماء النفس بأن الرد على الرسالة النصية لن يستغرق منا أكثر من دقيقتين، فلماذا نؤجله؟

ولكن في كثير من الأحيان يتلقى الإنسان عشر رسائل أو أكثر في وقت واحد ولا يمكنه حقًا التفاعل مع عشرات الأشخاص في المدة نفسها وبالقدر نفسه، وإن كان هذا يكشف عن مدى الحساسية الشخصية وهشاشة العلاقات في وسائل الاتصال الرقمي، ورغم ذلك فإن استخدام وسائل التواصل أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة هذا العصر.

فإذا كانت سعادتنا تكمن في قوة روابطنا بالآخرين إلا أننا سمحنا لوسائل التواصل أن تعكر صفو هذا التواصل، ما سبب لنا انخفاضاً في كمية ونوعية صلاتنا الشخصية.

وهنا تقول الكاتبة ليلى علي:

"إنه عندما لا يستجيب أحدهم للرسائل المرسلة من قبلنا والتي نحن بحاجة ماسة إلى معرفة الرد عليها، يؤدي ذلك إلى حالة من عدم الراحة والقلق، ومحاولة تخمين أسباب عدم الرد سلباً، وقد يزداد شعورنا بعدم الراحة عندما نعتقد أن هذا الشخص قد قرأ رسالتنا بالفعل، لكنه اختار أن يتجاهلنا".

بعض الأشخاص العاطفيين للغاية ممن يستخدمون الرسائل النصية بشكل مفرط قد يشعرون بالرفض والعزلة، ويعانون من القلق العميق عندما لا تكون الردود على رسائلهم فورية، وربما هذا يدفعنا إلى نوع جديد من العلاقات يتكيف مع سلوكيات التواصل الاجتماعي واستخدام المكالمات الهاتفية بدلا من الوسائل الافتراضية.

وإن كان هنالك فئة كبيرة من الجيل الجديد يعتبرون الهاتف يشكل عبئًا ثقيلًا عليهم، ويرونه يقتحم خصوصيتهم وعزلتهم، بعكس الأجيال السابقة التي لا تفضل التواصل النصي على الإطلاق، والتي ربما ترد على الرسائل النصية باتصال هاتفي، وإن كان بعض علماء النفس يعتبرون أن عدم الرد على المكالمات الهاتفية نوع من أنواع الفوبيا الاجتماعية، ومرتبط نفسيًا فيما يعرف برهاب المكالمات الهاتفية ويمكن تشخيص الحالة لمرض نفسي.

فنفسيًا المصاب بفوبيا الرد على الهاتف ينتابه القلق وتبدأ معه حالة الفوبيا بمجرد سماع جرس الهاتف، ولكن على أي حال يظل عدم الرد على رسائل الشخص أو عدم تلقي مكالماته تجاهل مقصود يؤدي الى الاستياء.

فقد توصلت إحدى الدراسات الحديثة إلى أن التواصل الشخصي وجهاً لوجه يخلق نوعاً من الثقة والتعاطف وتعزيز العلاقة الشخصية، عكس حالة التواصل عبر الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني أو أي وسيلة رقمية.

ففي حالة تواصل الشخص يفرز الدماغ مواد تعزز أنماط الاستجابة المشتركة بين الطرفين، في حين يغيب هذا لدى استخدام وسائل التواصل.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  76