• ×
admin

ترى كنت أمزح معاك!!

ترى كنت أمزح معاك!!

أحمد عجب الزهراني

يحكى أن شاباً ثرثاراً رأى شيخاً كبيراً ذا لحية طويلة غزاها الشيب يجلس مرة على باب سوق، فأراد هذا الشاب أن يبدأ معه حديثاً يسليه به، فأتى إليه وسلم عليه وقال له: هل بسؤال يا عم؟ فقال له: تفضل يا بني، فقال الشاب: أتضع لحيتك هذه فوق اللحاف عند نومك يا عماه أم تحته؟ سكت العجوز برهة ولم يعرف لسؤال هذا الشاب جواباً؛ ذلك أنه لم يتفطن لما يقوم به عند نومه من قبل، لكنه وعده أن يلاحظ ذلك حين ينام الليلة، وفي الصباح انطلق العجوز باحثاً عن الشاب في السوق، ولما لقيه انهال عليه ضرباً وهو يقول له: أربعون عاماً وأنا أحمل ذقني أينما حللت ولا أشعر منه بثِقل لا في نوم، ولا في طعام ولا في شراب، أما الليلة فقد جافاني النوم ولم أعرف له طريقًا، إن رفعتها فوق اللحاف أحسست بأنني مشنوق، وإن وضعتها تحت اللحاف أحسست بأنني مخنوق، فاذهب لا بارك الله في أعدائك ولا سلطك بثرثرتك هذه على أحد من خلقه!

لا شك أن (المزح في الكلام، كالملح في الطعام) لكن الإفراط في تناوله هو الآخر يؤدي لأعراض خطيرة، مثل ارتفاع ضغط الدم، احتباس الأحقاد بالنفوس، زيادة خطر الإصابة بضيقة الصدر، تطور نوبات الانعزال والوحدة، وأعراض الرهاب الاجتماعي، وكره المناسبات والتجمعات بأنواعها!

لم يكن يشعر ذلك الشاب الذي يعمل بإحدى الشركات الأهلية بالقطاع الخاص بأي نقص خاصة بعدما أثبت نفسه بكل جدارة واكتسب خبرة جيدة أهلته لمنصب رئيس قسم وراتب لا بأس به وبدلات أخرى كبدل السكن والنقل والاتصال والبونس السنوي علاوة على اشتراكه بالتأمينات الاجتماعية، حتى أيقض مضجعه ذلك الستيني الثرثار حين سأله ممازحاً ورازحاً بإحدى الزواجات: وين تشتغل الحينه.. وليه ما تدور وظيفة حكومية؟!

لم تكن تشعر تلك الزوجة المطيعة بأي قصور حاصل من قبل زوجها ذو الدخل المحدود وهو يعمل ليل نهار ليوفر لها ولأطفالهما لقمة العيش الهنيئة، فقد كانت تنظر لحياتها رغم المشاكل الأسرية المعتادة -التي قد تحدث في كل بيت- بكل رضا وقناعة خاصة مع تمتع أبنائها بالصحة والعافية، حتى أقضت مضجعها تلك الصديقة المنفتحة حين سألتها ممازحة ورازحة بإحدى الجمعات: ما أشوف لك سنابات، والا ما تتمشي مثل الناس؟!

لم يكن يشعر ذلك الثلاثيني بهم الإيجار كثيراً خاصة وأن الشقة التي يسكنها قريبة من العمل وقريبة جداً من مدارس الأولاد والبنات الحكومية، وقد كان ينعم داخل غرفها الصغيرة بدفء العائلة، وكان يبدل أثاثها، ويطلي جدرانها بالألون، كلما أراد أن يريح أعصابه ويجدد حياته، حتى أقض مضجعه ذلك الثرثار من قريته حين سأله ممازحاً ورازحاً بإحدى السهرات: وش صبرك على الإيجار ما بعد عمرت للحين؟! ما قد تراه معاناة لدى الآخرين قد يكون بالنسبة لهم مصدر سعادة وراحة بال، لذا لا تسأل فيما لا يخصك ولا تخطط وفق إمكانياتك لمستقبل غيرك، ثم لا ترمي الكلمة دون حساب وإذا فهمك أحدهم وأوقفك عند حدك، أبديت دهشتك وادعيت متظلماً وكاذباً: ترى كنت أمزح معاك!!.

المدينة
بواسطة : admin
 0  0  94