• ×
admin

أرباح الكتب

أرباح الكتب

حسين حسين

لأن المتعوس متعوس، حتى لو علقوا في رقبته فانوس (كما يقولون)، فقد قررت، بطوعي واختياري، عندما ودعت الوظيفة الحكومية قبل تمام خدمتي النظامية بخمسة عشر عاما أن أمارس عملا أحبه ليسند إيراده أو أرباحه المعاش الزهيد الذي عاد لي بعد تقاعدي المبكر دون أن يخطر في البال عمل من الأعمال التي تؤكل العسل والزبدة؛ معتقدا بطبيعة الحال وقصر النظر أن نشر الكتب سيحقق الهدف الذي توخيته؛ ولأن الأقربين أولى بالمعروف، فقد بدأت بنفسي، فأعدت طباعة مؤلفاتي القصصية؛ وبعد ذلك يممت على من توسمت في كتبهم الخير أو البركة من الأصدقاء وغير الأصدقاء فنشرت كتبهم، ودفعت لهم مكافآت حتى انتهى مخزوني المالي دون أن ينتهي تصريف ما طبعت ووزعت؛ بل إن عديدا من الكتب أعيدت لي بعد عرضها في المكتبات لعدة شهور دون أن يتحقق المتوخى من عرضها.

وهكذا امتلأ المستودع، وخوت الخزينة، في بحر عام واحد! حينذاك وضعت رجلا على رجل منتظرا الخراج، لكن الأيام والشهور مرت، دون أن تأتيني قطرة من البحر أو النهر الذي نشفته، منتظرا المد التالي لكن دون جدوى! وعندما أعدت مفتاح مقر دار النشر ومستودعها إلى صاحب العمارة لم أجد غير حاوية الورق الموجودة في حينا، لأرمي فيها بين وقت وآخر كرتونا أو أكثر من الكتب، لعلها بعد فرمها أو تدويرها، تكون كراتين، أو أطباق، أو أكياسا نافعة، وكانت هذه أول تجربة وآخر تجربة تجارية أخوضها، وقد كلفتني هذه التجربة الكثير من المال والجهد، غير الانصراف عن القراءة والكتابة والاهتمام بشؤون أسرتي الصغيرة.

بعد هذه التجربة أصبحت التمس العذر للناشرين، حتى أولئك الذين يطعمون إصداراتهم الجادة، بإصدارات خفيفة أو مثيرة، لتصرف هذه الكتب السريعة التصريف على الكتب الجادة، وعلى كتب الشعر والقصة القصيرة التي لا تلقى إقبالا كبيرا من القراء. وقد واجه الناشر المصري الكبير الحاج محمد مدبولي هجوما لاذعا من بعض الكتاب والمثقفين الذين لا يعجبهم العجب، عندما عقد اتفاقيات مع بعض دور النشر اللبنانية لترسل له كتبا، وكان الحاج مدبولي، يخرج هذه الكتب لمن يأمن شرهم من القراء المقتدرين، وقد تصاعد بعد هذه الخطوة الهجوم الحاج مدبولي، ما دفعه الى التصريح بأنه لكي يكسب كان أمامه مساران؛ أحدهما مضمون وأرباحه قليلة، والثاني أرباحه عالية ومخاطره كثيرة، وقد اختار، وهو ابن البلد، الذي لم ينل تعليما نظاميا؛ أن يكتفي بهذا القليل الذي تدره الكتب المصرية، إضافة الى الكتب اللبنانية، التي كانت تواجه صعوبات كثيرة حتى تصل. وهناك الآن دور نشر محلية وعربية، تطلب، إذا وجدت الكتاب غير مجد اقتصاديا، أن تتشارك مع المؤلف في التكاليف، وأحيانا تطلب من المؤلف دفع كامل التكاليف. وهناك دور لا تقبل هذه الطريقة، متحملة كامل التكاليف، إذا وجدت أن الكتاب يحقق أهدافها. ورغم هذا وذاك فإن الناشر الجاد، يحتاج إلى من يعينه، ليؤدي رسالته، بتيسير توزيع كتابه، وتقديم مساعدة غير مباشرة، بأن تؤمن الجهات المختصة نسخا من الناشر، للمكتبات المدرسية، والجامعية، والعامة.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  223