• ×
admin

لماذا تختلف أعراض الأمراض الفيروسية؟

لماذا تختلف أعراض الأمراض الفيروسية؟
تتأثر بدور الفيروس وبتفاعلات جهاز المناعة

د. حسن محمد صندقجي

تفيد المراجعات الطبية بأن العدوى الفيروسية (Viral Infection) قد لا تتسبب دائماً بحالة مرضية فيروسية حادة (Acute Viral Disease)، تظهر بشكل سريع وحتمي.

إن وصف «العدوى الفيروسية» بالأصل يتضمن عمليات دخول الفيروس إلى الجسم وتكاثره في الخلية المُضيفة. وأما «المرض الفيروسي الحاد» فيتضمن الآثار الصحية السلبية التي تظهر سريعاً نتيجة للضرر الناجم عن هذا التكاثر الفيروسي، والضرر الناجم عن تداعيات تفاعلات جهاز مناعة الجسم مع هذه العدوى الفيروسية.

أعراض متفاوتة

ولذا في حالات الإصابة بالمرض الفيروسي نفسه لدى مجموعة مختلفة من الناس، هنالك مرضى تظهر عليهم أعراض مرضية بشدة مختلفة عن مرضى آخرين. وهو ما يبدو على هيئة مُصابين لا تظهر عليهم أي أعراض (Asymptomatic)، ويُصنفون كـ«ناقلين» للمرض (Carrier)، لأن بإمكانهم التسبب بعدوى غيرهم وإصابتهم بالمرض الفيروسي تبعاً لذلك. أو مصابين تظهر عليهم أعراض مرضية خفيفة (Mild) أو متوسطة (Moderate). ولدى القلة، قد تتدهور الحالة الصحية بدرجة شديدة (Sever) قبل استعادتهم العافية، وفي حالات أخرى تصبح الحالة المرضية الفيروسية حالة مزمنة (Chronic).

وبالإمكان تفسير آليات ظهور كثير من الأعراض (Symptoms) والعلامات (Signs) المرضية المرافقة للأمراض الفيروسية، وأسباب شدة معاناة بعض منها. إذ إن تلك الأعراض والعلامات المرضية تختلف لأن ثمة أمراضاً فيروسية تصيب مناطق مختلفة من الجسم، مثل الجهاز العصبي أو الجهاز الهضمي أو الكبد أو الجهاز التنفسي أو العينين أو الجهاز التناسلي أو الجلد أو القلب أو الدم أو غيرها من أعضاء الجسم.

أسباب اختلاف الأعراض

وبالرغم من وجود أنواع مختلفة من الفيروسات المتسببة بالأمراض، وبالرغم من اختلاف الأعضاء المستهدفة بالضرر حال الإصابة بكل نوع منها، فإن المصادر الطبية تلاحظ أن ثمة عدة أسباب وعوامل أخرى لاختلاف درجة شدة الأعراض والعلامات المرضية وتنوعها فيما بين المُصابين بحالات الأمراض الفيروسية.

ومعرفة آليات هذه الأسباب والعوامل قد تُفسر سبب تضرر أعضاء دون أخرى في حالات الإصابة بنوع معين من الفيروسات، وتفسر أيضاً اختلاف درجة ظهور أنواع مختلفة من الأعراض والعلامات المرضية لنفس العدوى الفيروسية، وتفسر كذلك نوعية المضاعفات والتداعيات لدى مرضى دون غيرهم من المُصابين بنفس المرض الفيروسي.

وهو ما يُمكن إدراكه عبر مراجعة ثلاثة جوانب، هي:

> الجانب الأول: يتعلق بمكونات ونوعية ودرجة شدة تفاعلات جهاز مناعة الجسم مع العدوى الفيروسية، ونوعية وشدة الآثار المترتبة على تلك التفاعلات المناعية في مدى استقرار الحالة الصحية وتضررها لدى المُصاب.

> الجانب الثاني: يتعلق بالخصائص المرضية للفيروسات نفسها، في كل نوع منها، لاستهداف خلايا أعضاء معينة في الجسم دون غيرها، ومنهجية سلوكياتها المُمْرضة في التعامل مع أعضاء الجسم. أي كمية «جرعة الفيروسات» (Viral Load) التي نجحت في الدخول إلى الجسم وتسببت بالمرض الفيروسي، وخصائص الآلية المرضية (Disease Mechanisms) الناجمة عنه، وشدة «الضراوة الفيروسية» (Virus Virulence)، والأعضاء التي تفضل مهاجمتها (Virus Tropism).

> الجانب الثالث: مكون من شقين، أولهما: مدى تسبب ذلك المرض الفيروسي في مضاعفات تسمح لعدوى بكتيرية أخرى أن تبدأ في التسبب بمزيد من الأذى لجسم المُصاب. وثانيهما، مدى شدة التعطّل الوظيفي لبعض الأعضاء المهمة بالجسم والعلامات المرضية الناتجة عن ذلك، سواء كان ذلك الضرر الوظيفي سريع الظهور أو حصل بشكل مزمن مع مرور الوقت.

تفاعلات جهاز المناعة

ويفيد المجمع البريطاني للمناعة (British Society for Immunology)، بأن ثمة عدة مسارات لتفاعلات جهاز مناعة الجسم مع حصول العدوى الفيروسية.

- أولها عبر استخدام الخلايا الفاتكة للخلايا (Cytotoxic Cells) والمركبات الكيميائية التي تستخدمها.

- وثانيها عبر استخدام مركبات الإنترفيرون (Interferons).

- وثالثها عبر استخدام الأجسام المضادة (Antibodies).

ويوضح المجمع طريق المسار الأول بقول ما ملخصه: عندما يصيب الفيروس شخصاً ما، فإنه يقتحم خلايا مُضيفة في جسمه من أجل البقاء والتكاثر. وبمجرد دخول الفيروسات إلى الخلايا المُضيفة، فإنها تختفي عن نظر خلايا مناعة الجسم. وبالتالي لا تستطيع خلايا الجهاز المناعي «رؤية» الفيروس ولا يُمكنها أن تعرف آنذاك أن الخلية المُضيفة أصبحت خلية مصابة بالفيروسات (Virally-Infected Cell). وللتغلب على ذلك، تكشف الخلايا المُضيفة عما هو بداخلها للخلايا الأخرى (الخلايا المناعية) من خلال استخدام نظام خاص من المركبات الكيميائية المتخصص في تقديم تلك الخدمة. أي أنه نظام كيميائي يسمح للخلايا المُصابة بالفيروسات أن تجعل الخلايا الأخرى تعرف ما هو بداخلها من جُسيمات غريبة عن الجسم. وهذه المركبات الكيميائية المتخصصة تسمى الفئة الأولى من البروتينات المعقدة للتوافق النسيجي (MHC class I).

> الخلايا الفاتكة. وآلية ذلك، أن تعرض الخلية المُضيفة على سطحها قطعاً بروتينية (Proteins Fragments) تحتوي أجزاء من مكونات ما هو موجود داخلها. وفي حال وجود فيروسات بداخلها، فإن تلك القطع البروتينية ستحتوي على أجزاء من بروتينات الفيروس. وحينها تُلاحظ وتميز خلايا جهاز المناعة (خصوصاً خلايا تي المناعية T Cell) تلك الأجزاء الفيروسية، التي ستبدو على سطح الخلية كالأضواء المنبهة المختلفة في لونها عن بروتينات الخلية المُضيفة، وتعلم بالتالي خلايا «تي» المناعية أن ثمة فيروسات بداخل الخلايا المُضيفة تلك.

وخلايا «تي» المناعية تمتلك القدرات لتمييز وملاحظة الميكروبات، وتجوب الجسم طوال الوقت بحثاً عن أي عدوى ميكروبية، فيروسية أو بكتيرية أو غيرها. ومن بينها نوع «خلايا تي المناعية السامة للخلايا» (Cytotoxic T Cell)، التي مهمتها القضاء على الخلايا المُضيفة التي تحتوي بداخلها على فيروسات، وذلك باستخدام مواد كيميائية سامة للخلايا (Cytotoxic Factors)، وبالتالي يتم منع بقاء الفيروسات الدخيلة.

ولأن الفيروسات لديها قدرات عالية على المراوغة والتكيّف، فإنها طورت طرقاً لتحاشي إمكانية الكشف عنها بواسطة خلايا «تي». وإحدى تلك الطرق هي منع البروتينات المعقدة للتوافق النسيجي من الوصول إلى سطح الخلية لعرض قطع من البروتينات الفيروسية. وإذا حدث ذلك، فإن الخلية تي لا تعرف أن هناك فيروساً داخل الخلية المصابة.

ولكن بالمقابل، لدى جهاز مناعة الجسم قدرة أخرى في التعرّف على هذا الأمر والتعامل معه. وتحديداً، هناك خلايا مناعية تُسمى «الخلايا الفاتكة الطبيعية» (Natural Killer Cell)، التي لديها القدرة على ملاحظة أن ثمة خلايا تعرض «القليل» من «البروتينات المعقدة للتوافق النسيجي» على سطحها الخارجي، وتدرك أن ذلك بسبب وجود فيروسات مراوغة بداخلها، وحينها تطلق مواد كيميائية سامة بطريقة مشابهة لعمل «خلايا تي المناعية القاتلة» للقضاء على الخلية المُضيفة المحتوية على فيروسات.

وكأي وسيلة دفاعية، يتم تسليح خلايا المناعة الفاتكة (خلايا تي والخلايا الفاتكة الطبيعية) بتزويدها بـ«الوسائط مُسبقة الصُنع» (Preformed Mediators)، كما تختزن «المواد الكيميائية السامة» (Cytotoxic Factors) ضمن حجيرات على شكل «حبيبات» (Granules). وإحدى «الوسائط مُسبقة الصُنع» هي مركبات بيرفيرون (Perforin)، التي تعمل على إحداث ثقوب في أغشية الخلايا، ما يسمح بإطلاق «المواد الكيميائية السامة» من الحبيبات، ودخولها إلى الخلية المحتوية على الفيروسات. وفي خضم التحامها مع الخلية المحتوية على الفيروسات، تفعل خلايا المناعة الفاتكة شيئين آخرين؛ أولهما إثارة خلايا المناعة القريبة للمشاركة في عملية القضاء على الخلايا المحتوية على الفيروسات، وثانيهما إنتاج مواد بروتينية جديدة، من أهمها السيتوكينات (Cytokines).

بروتينات مناعية

> مركبات الإنترفيرون. وفي المسار الثاني، تنتج وتطلق الخلايا المصابة بالفيروسات بروتينات صغيرة تسمى الإنترفيرون، وذلك كوسيلة للحماية المناعية ضد الفيروسات. والإنترفيرون يعمل على منع تكاثر الفيروسات، من خلال التدخل المباشر في قدرتها على التكاثر داخل الخلية المصابة. وفي الوقت نفسه، يعمل الإنترفيرون أيضاً كجزيئات إشارة تسمح للخلايا المصابة بتحذير الخلايا القريبة من الوجود الفيروسي بداخلها، ما يجعل الخلايا المجاورة ترسل في طلب النجدة عبر زيادة وضع البروتينات المعقدة للتوافق النسيجي على سطحها (كما سبق توضيحه)، بحيث يمكن للخلايا المناعية «تي» (التي تقوم بمسح المنطقة) أن تتنبه للأمر، وتعمل على تحديد العدوى الفيروسية والقضاء عليها كما هو موضح أعلاه.

> الأجسام المضادة. وفي المسار الثالث يتم استخدام الأجسام المضادة، التي تُسهم في تحييد قدرات الفيروسات قبل أن تُتاح لها الفرصة لإصابة الخلية. والأجسام المضادة هي بروتينات تتعرف على الفيروسات التي سبقت الإصابة بها، وتربطها من خلال الالتصاق بها. ويخدم هذا الربط كثيراً من الأغراض في آليات القضاء على الفيروس:

- الآلية الأولى: تُحيد الأجسام المضادة قدرات الفيروس، ما يعني أنه لم يعد قادراً على إصابة الخلية المُضيفة.

- الآلية الثانية: يمكن لكثير من الأجسام المضادة أن تعمل معاً للالتصاق بعدد كبير من الفيروسات في عملية تسمى التراص (Agglutination)، وبالتالي تجعل هذه الفيروسات المتراكمة هدفاً سهلاً للخلايا المناعية للقضاء عليها بدلاً من عدد كبير من الفيروسية المنفردة والمنتشرة.

- الآلية الثالثة: لاستئصال الفيروسات، تعمل الأجسام المضادة على تنشيط الخلايا البلعمية (Phagocytes). ويتم ذلك عبر ارتباط الجسم المضاد (الملتصق بالفيروس) بسطح الخلايا البلعمية، والبدء بعملية ابتلاعهما معاً (Phagocytosis)، ثم تدمير الفيروسات داخل الخلية البلعمية تلك.

- الآلية الرابعة: تعمل الأجسام المضادة على تدمير الغلاف الدهني المحيط بالفيروس، أي أشبه بعمل الصابون والماء في إتلافه للفيروسات المغلفة بالدهون.

تداعيات مرضية

وكمحصلة لمسارات هذه التفاعلات المناعية، نلاحظ النتائج التالية:

> أولاً: شدة المرض. شدة حصول «الإمراض الفيروسي» قد تعتمد بحد ذاتها على عوامل عامة في جسم الشخص المُصاب (Host Factors) لها علاقة بكفاءة جهاز المناعة. ومن تلك العوامل: التقدم في العمر، أو الصغر في السن، أو الإصابة المرافقة بأمراض مزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب أو السرطان، أو حالات صحية مؤقتة كالحمل، أو خلال فترة النقاهة من المعالجات لأمراض سرطانية. إضافة إلى عوامل جينية، ومستوى نوعية التغذية، ومدى ممارسة الرياضة البدنية، ودرجة الراحة النفسية.

> ثانياً: رد فعل مناعي ضار. من الممكن جداً أن تكون نوعية تفاعلات واستجابة جهاز مناعة الجسم مع العدوى الفيروسية هي السبب الرئيسي في حصول حالة مرضية متفاوتة الشدة في أعراضها وعلامتها المرضية، وأيضاً في تداعيات قد تصل إلى تضرر عدد من أعضاء الجسم. وهي التي تصفها المصادر الطبية بـ«الاضطرابات المناعية المرضية بسبب العدوى الفيروسية» (Virus-Induced Immunopathology).

وتحديداً، فإن الزيادة المفرطة في إفراز مركبات السيتوكينات والإنترفيرون وفي إنتاج الأجسام المضادة، وفرط نشاط خلايا «تي»، كلها أو بعضها قد تكون له تداعيات مرضية غير منضبطة على الجسم كله وتهدد استقرار الحالة الصحية فيه، وكذلك على مدى تماسك الأداء الوظيفي لعدة أعضاء في الجسم مثل الرئتين والكبد والكليتين والجهاز الدوري. وللتوضيح على سبيل المثال، فإن الإفراز المفرط للسيتوكينات، نتيجة لعدم انضباط شدة تفاعل جهاز مناعة الجسم، قد يتسبب في عدد من التداعيات ضمن ما يُسمى طبياً «متلازمة إفراز السيتوكين» (Cytokine Release Syndrome). وفيها تحصل حالة عامة من التدهور في الجسم نتيجة لحصول رد فعل مناعي بدرجة تفوق الحاجة. ومن مظاهر أعراضها: انخفاض ضغط الدم، وارتفاع حرارة الجسم، والإعياء، وآلام العضلات والمفاصل، والتقيؤ، والإسهال، والطفح الجلدي، والارتباك الذهني. والأهم، قيام الخلايا المناعية بمهاجمة أنسجة وخلايا الرئتين والتسبب بالتلف وتراكم السوائل في الرئتين. وهي التي تُؤدي إلى: انخفاض نسبة الأكسجين في الدم، واضطرابات في مخرجات عمل القلب، وارتفاع نسبة عدد من المركبات الكيميائية في الدم مثل: ديمر – دي (D-Dimer) ذي الصلة باضطرابات تخثر الدم، والبيلوروبين (Bilirubin) وأنزيمات الكبد (Transaminases) ذات الصلة باضطرابات عمل الكبد، ومركبات اليوريا والكرياتينين ذات الصلة بتدهور عمل الكليتين.

الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  171