• ×
admin

الذِّكْرى

الذِّكْرى

د. فهد الماجد

في مقال نثري له بعنوان: «الذكرى» يتحدَّث شوقي عنها باعتبارها من أعمال القلب، ولكنه القلب المرهف الحساس، ويذهب في مخاطبته للقلب قائلاً: «فما زلت يا قلبُ تقضي الحقوق، وتذكر العهود فتجزيها التلفت والخفوق، حتى كأنك قلبان اثنان، قلب مع الماضي متخلِّف العنان، وقلب يساير ركب الزمان.. قل لي: من علمك ردَّ الأحلام؟ ورجوع القهقرى في نواحي الأيام؟».

وهكذا يمضي شوقي محلقاً مبدعاً في تأمل ووصف هذه الحال القلبية: «الذكرى»، ويا لها من حال! وأعجب ما أعجبني حين وصف حال هذا الإنسان الذي يذكر وقلبه يخفق بقوله: «حتى كأنك قلبان اثنان».

وما أروع هذا الذي: يذكر أحباباً قد مضوا في الراحلين، يذكرهم بحب دفين، وشوق مكين، وهو مع ذلك يمضي في حياته بعزيمة وشكيمة حتى كأنَّ له قلبين.

«الذكرى»: معنى نفسي، ترجع في حقيقتها إلى خلق الوفاء.. يتجشمها الأدعياء، وتأسر الأوفياء.

يذكر الأبناء الآباء، وربما ذكر الآباء الأبناء، ويذكر الصديق صديقه، ويذكر الزوج زوجته، والزوجة زوجها.. وفي الحقيقة: كلهم يذكر حظه الذي فات من حبيبه.

ربما كانت الذكرى إنساناً، وربما كانت زماناً، وربما كانت مكاناً، لكن الذي يذكر ــ دوماً ــ إنسان .. أبت الذكرى أن يقوم بها إلا إنسان!

والأوفياء ربما أحبوا الشخص في ذكراه، أكثر منه في مرآه. فما الذكرى إلا نفس تسري في نفس، وروح تعانق روحاً. أما الجفاة الذين يصبحون كل يوم على لون، فإنهم لا يذكرون؛ لأنهم لا يشعرون.

نعم في ربيع الأعمار تكثر الأمنيات، وفي خريف الأعمار تكثر الذكريات؛ وبعض الناس قوي على الحالين فهو يتمنى ويذكر في: «العُمرين».

هل لي أن أقول: إن من أصدق الحالات التي يكون عليها الإنسان حين يتذكر؛ لأنه حين يتحدث عن ذكرى، فهو يتحدث بقلب متأسف لا طامع، والمتأسف أصدق وأدق من الطامع.

ما الذكرى إلا زيت الحنين!

وهي لا تعرف زماناً تهجم فيه على صاحبها، لكنها - في الغالب - تتخير الليل إذا سكن؛ لأنها تحب الانفراد بالقلب.

كان الله للذاكرين.. أولئك قومي من العابرين.. والإيمان نعم المعين.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  390