• ×
admin

أيا جارتا.. هل تشعرين بحالي؟

أيا جارتا.. هل تشعرين بحالي؟

أ. د. صالح عبدالعزيز الكريِّم

عندما حدث الانفلات الأمني في مصر وتخطى الناس صعوبة تلك الأيام كان مما ذكره عدد كبير من أهل القاهرة والإسكندرية هو لجوء الجيران لبعضهم حتى أن هناك أناسا كانت لا تعرف أسماء جيرانها القريبة منها وهم يذكرون هذا على سبيل الأسف والندم، وعندما نزلت الكارثة في بعض أحياء مدينة جدة تكاتف الجيران وتعاونوا أكثر وزادت الوشيجة بينهم لأنهم وقتئذ كانوا في البلاء سواء، وهكذا هي البلاوي والمصائب والأحداث والنوازل تجمع الجيران وتجعلهم أكثر تعاونا وتفاهما، لكن للأسف في الرخاء يصل الحال بالناس الذين يقطنون عمارة واحدة لا يسلم أحد على الآخر ولا يعرفه ولا يزوره حتى في الأعياد، فهناك فئة للأسف لا تأبه بحق الجار بل تتضايق من سؤال الجار عنها وكأنه يتدخل في ما لا يعنيه وقلة قليلة في بعض الأحياء تنشأ بين رجال الحي لا نسائه صداقات منبعها المسجد وتكون هناك لقاءات شهرية أقرب إلى نظام «الشللية» في غياب كامل عن تعارف الأسر على بعضها البعض يعني النساء والأطفال لا يعرفون بعضهم إن الأنس بالجار تعدى ما بين الإنسان والإنسان إلى الإنسان والحيوان حيث يقول أبو فراس الحمداني مخاطبا جارته الحمامة:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة
أيا جارتا هل تشعرين بحالي؟
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى
ولا خطرت منك الهموم ببال
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
إن باحثين في أمريكا من خلال دراسة تبين لهم أهمية التواصل بين الجيران في تحقيق السعادة، حيث وجدوا أن السعادة تزيد بنسبة 34% لمن هم من ذوي العلاقة الحريصة على التواصل مع الجيران ومعرفتهم وزيارتهم وإقامة وشيجة التعاون والتكاتف الاجتماعي ويكون التعاون ليس على مستوى الفرد إنما على مستوى الأسرة كذلك ولا غرو في ذلك إذا علمنا أن الجار مصدر طمأنينة وراحة نفسية.
لقد جاء التوجيه النبوي الكريم ليحدد ما هية الجيرة الحقيقية حيث إنها ليست كتلا بشرية وعيونا وأيديا وكائنات متحركة، لا إنها نفوس وقلوب وأرواح، ألم يقل عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قالوا من يا رسول الله، قال من لا يأمن جاره بوائقه، إن أول خطوة في تحقيق وشيجة بين الجيران تبنى على الأمان فلا بد من ضمان من درء كل الشرور والتعدي والإيذاء وهذه أولى الخطوات في بناء «جيرة» ناجحة فكيف يمكن لمثل هذه الخطوة تبنى والجار لا يعرف اسم جاره؟، وكيف لها يمكن أن تنمو والجار لا يستقبل جاره أو يدعوه إلى داره أو زيارته؟، وكيف يكون هناك عدم وجود «بوائق» وليس هناك معرفة بحقوق الجار؟، إنها خسارة كبيرة عندما نتهاون في أمور كهذه خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، أو ليس الله سبحانه وتعالى من أوصى بالجار ذي القربى والجار الجنب، وينسحب على الجار في الوظيفة والعمل ما قد انسحب على الجار في السكن وهو المقصود بقوله تعالى(والصاحب بالجنب)، وللجار حتى إن لم يكن مسلما حق واحد حق الجيرة، وللجار المسلم حقان، حق الإسلام وحق الجيرة، فإن كان قريبا فله ثلاثة حقوق حق القربى وحق الإسلام وحق الجيرة، فهل بحثنا عن السعادة المفقودة عند جيراننا وسعينا إليها كما نسعى لرزقنا؟

المصدر: صحيفة عكاظ
بواسطة : admin
 0  0  1817