• ×
admin

مبتعثونا.. ومفتاح التميز

مبتعثونا.. ومفتاح التميز

د. سعود كاتب

ربَّما يمكنني أنْ أزعم أنَّ لديَّ تجربة طويلة في الدراسة خارج المملكة، تحت مختلف الظروف والأحوال، فقد عشتُ هناك طويلًا كطالب يدرس على حسابه الخاص، بإمكانات ماديَّة محدودة جدًّا، ثم كمبتعث على حساب الدولة.. كمتدرِّب، وكموظَّف وطالب في نفس الوقت. تجربة خرجتُ منها بالكثير، ولا أقصد بالكثير هنا الشهادات العلميَّة بقدر ما أقصد التجارب الحياتيَّة.. نعم التجارب والعِبَر والدروس الحياتيَّة التي لا تُقدَّر بثمن، والتي أعتبرها لا تقل في أهميَّتها عن الشهادة العلميَّة.

هذا الكلام أقوله بعد أنْ قرأتُ تغريدةً على منصَّة X (تويتر سابقًا) لأحد المبتعثين يقول فيها إنَّه في الغربة لأجل هدف واحد فقط، وهو الشهادة العلميَّة، وأنَّه يعيش مع عائلته هناك دون أيِّ حاجة للاحتكاك، أو التعامل مع أحد من أهل ذلك البلد، إلَّا للضرورة القصوى.

كم أتمنَّى لو يبتعد بعض مبتعثينا عن التقوقع حول أنفسهم، وأنْ يستفيدوا لأقصى درجة ممكنة من فرصة وجودهم التي قد لا تتكرَّر في دول الابتعاث المتقدِّمة؛ ليعودوا من تلك الدول وفي جعبتهم بجانب الشهادة الأكاديميَّة خبرات ومهارات أخرى، كتعلُّم لغة جديدة إضافيَّة، تدريب عمليٍّ، اكتساب وصقل مهارة رياضيَّة أو فنيَّة، ومشاركات في برامج تطوعيَّة.. أتمنَّى أنْ ينتهزوا هذه الفرصة للتعرُّف على ثقافة البلد الذي يدرسون فيه، والتعلم منهم الانضباط واحترام النظام والوقت. كم أشعر بالأسى حين أشاهد شخصًا درس في الغرب لسنواتٍ طويلةٍ، ثم تجده هنا في بلده؛ آخر مَن يهتم بالالتزام بالمواعيد، وأقل مَن يحترم أنظمة وقوانين المرور مثلًا.

تخيلوا لو أن عشرات الآلاف من مبتعثينا الذين عادوا طوال عقود مضت اكتسبوا فقط صفات الانضباط والالتزام بالمواعيد، واحترام الأنظمة والقوانين، والجدية واتقان العمل، ثم قاموا بنقلها لمن حولهم بالتعليم أو القدوة والتأثير.. تخيلوا كم كانت ستتغير أشياء كثيرة في مجتمعنا للأفضل.

سيسأل سائل: ألا يقومون بذلك؟، وإجابتي هي أنَّ كثيرًا منهم بالتأكيد يفعل، بينما كثيرون آخرون يعودون بشهادات ودرجات علميَّة لا أقل ولا أكثر. ومنهم من يعود بحماسٍ كبيرٍ، لكنَّه لا يلبث أنْ يعجز عن مقاومة التيار، فيفقد كل ذلك الحماس، ولا يبقى لديه من سنوات الدراسة الطويلة سوى اللقب العلميِّ، أو شهادة ورقية معلَّقة على الحائط.

قد يعتب عليَّ البعض حين أقول إن التعليم والحياة في الغرب كنز ينبغي أن ينهل منه المبتعثون والمبتعثات قدر استطاعتهم؛ دون تحجج بضيق الوقت، فالوقت متاح، ولابد أنهم لاحظوا أن كثيراً من الطلبة الأمريكيين يعملون ويدرسون ويمارسون الرياضة بانتظام، ويشاركون في أعمال تطوعية خدمة للمجتمع دون شكوى أو تذمر. إن المطلوب فقط هو الإرادة والطموح والقدرة على تنظيم الوقت.

نصيحتي الأخيرة لكل مبتعث، هي أنْ يُقرِّر جادًّا وجازمًا أنَّه سيعود إلى وطنه، ليس فقط بدرجة علميَّة، بل وبتميَّز في مجال أو مجالات أخرى إضافيَّة، وبصفات شخصيَّة أكثر إيجابيَّة، وفهم لثقافة جديدة. هذا التميُّز الإيجابي سوف يكون -دون أدنى شك- مفتاحًا له لكثيرٍ من الأبواب والفرص بعد عودته لبلده -بعون الله وإرادته-.

المدينة
بواسطة : admin
 0  0  3