• ×
admin

عصفور في نافذتي

عصفور في نافذتي

د. أحلام محمد علاقي

وقف عصفور صغير على شرفة نافذتي، عصفور جميل الشكل غريب اللون يشوبه زرقة لامعة، وقفت لأتأمل في خلقته البديعة وأسبح الله، وهبني ذلك العصفور لحظات سعادة عميقة في ذلك الصباح، كان صباحا مليئا بالتوتر من جهات كثيرة، ولكن نجح هذا المخلوق الصغير في امتصاص كل تلك الهموم. فهمت لم يذهب بعض الناس لممارسة هواية مراقبة الطيور bird watching ويعتبرونها من الهوايات المهدئة للأعصاب جداً، فهي تنسيك الزمان والقلق وتمنحك القدرة على الهروب من الواقع والتركيز على نشاط معين ويقارنون تأثيرها بتأثير الرسم أو حياكة التريكو أو الرياضة.
وعندها فكرت كم نحن محرومون من التأثير الشفائي الروحاني للطبيعة. نعيش في قوالب اسمنتية تحيط بها أسوار أسمنتية أمامها مساحات أسفلتية وبنايات ومنشآت. نخرج للنزهة فنشد رحالنا إما إلى المطاعم أو المولات.
منطقتنا صحراوية أصلا لا تتمتع بالقدر الهائل من التنوعات الطبيعية التي تحظى بها مناطق أخرى ولكن ما زال لدينا في المملكة الجبل والبحر والخضرة في بعض المناطق ولكن المحزن أننا حينما نريد أن نمتع أنفسنا بجرعة من الطبيعة نتوجه لخارج المملكة ولا نفكر في السياحة الداخلية، فنذهب إما الى أوروبا او أمريكا أو تركيا أو شرق آسيا أو غيرها. فهناك الكثير من الخدمات التي تنقص السياحة الداخلية وتجعلها تتضاءل أمام المنافس الخارجي. فالأسعار مبالغ فيها والبنية التحتية متهالكة، والخدمات ليست على المستوى المطلوب والكادر العامل ليس مؤهلاً لاستقطاب السائح أو الحفاظ على ولائه. يكفي مثلاً أن نأخذ نظرة واحدة على التواليتات العمومية (أكرمكم الله) في بعض هذه الأماكن، فبعضها ليس فيها مقومات النظافة والصحة وتفتقر حتى للصابون والمناديل الورقية.
هذا بينما نرى خططاً محكمة مقدمة من شركات سياحية بدول أخرى تقدم (باكج) متكاملا للأسرة بسعر معقول جداً يشمل التذاكر والإقامة والوجبات والنزهات، وعند موازنة ما يعرض من قبل الشركات المحلية وغيرها الخارجية نجد المقارنة ظالمة تكسبها الشركات الأجنبية بجدارة بجودة أسعارها وتنوع عروضها وتفوق طبيعتها والعناية بخدمة السائح لاجتذابه وكسب ولائه ليعود مرة بعد مرة.
أتذكر في هذا المجال قصة عائلة أعرفها أرادت استئجار شاليه على البحر الأحمر لقضاء ثلاثة أيام خلال العطلة، فوجدوا أن إيجار الشاليه (بلا خدمات وبلا نزهات بحرية أو أي إضافات) يفوق ضعف ما سيدفعونه لإيجار شاليه مماثل ببلد خليجي مجاور. وطبعاً حسم الأمر، فالسفر للبلد الخليجي سهل لا يتطلب فيزا، وتذاكر السفر متاحة معقولة، ذهبوا وعادوا بقصص يرويها الكبير قبل الصغير عن روعة المكان والتنظيم وتنوع النشاطات البحرية من غوص وسباحة وقوارب وجت سكي وصيد ورحلات وغير ذلك، وكل هذا في إطار رائع، فالشاليه يشمل خدمة فندقية والطعام ممتاز وهناك خدمة بيبي ستر ونادٍ للأطفال. كسب المكان ولاءهم وأصبحوا ليس فقط من زبائنه بل أعلنوا عنه للأقارب والأصدقاء.
أتمنى أن يأتي اليوم الذي نصبح قادرين أن نتجول في بلدنا الحبيبة للسياحة ونستثمر أموالنا في اقتصادنا القومي فنضخ فيه الحياة؛ المواطنون والمقيمون جميعا، فلدينا الآثار والسياحة الدينية ولدينا الصحراء التي يدفع بعض الأوروبيين والغربيين أموالاً طائلة لزيارتها والتمتع بهدوئها المسالم، كما رأيت حينما كنت في دبي، ولدينا الجبال والخضرة ببعض المناطق ولدينا البحر الأحمر ومياه الخليج العربي، ولدينا قوة بشرية هائلة يمكن أن تدرب جيداً على التفكير الاستثماري السياحي وخدمة السياحة المحلية لاستقطاب القريب والبعيد.
ربما سيمر وقت طويل قبل أن أرى عصفورا جميلا مثل هذا الذي رأيته اليوم، ولكن يكفيني الدقائق المعدودة من السعادة التي منحها لي، وكم الأمنيات التي خلقها في خيالي عن عالم جميل نتمتع فيه بالطبيعة في أحضان وطننا.

عكاظ
بواسطة : admin
 0  0  4540