• ×
admin

لماذا تواجه إنسان هذا العصر المشاكل الصحيّة؟؟

لماذا تواجه إنسان هذا العصر المشاكل الصحيّة؟؟


شريفة محمد العبودي

دفاعاً عن الطعام In Defense of Food كتاب من تأليف الكاتب مايكل بولان Michael Pollan يناقش مسألة رئيسية هي، في رأي المؤلف، السبب في المشاكل الصحيّة التي تواجه الإنسان في هذا العصر. وهذه المسألة هي تحديد ماهية مفهوم طعام!! فلنبدأ بالنظر إلى الطعام ليس كشيء إنما كعلاقة مع الأجناس - العوامل في نظام ما يسمى بدورة الغذاء في الطبيعة التي تشمل الإنسان والحيوان وعوامل الطبيعة من ماء وهواء وشمس وتربة. والصحة، من بين أمور أخرى، هي نتيجة من نتائج هذه العلاقة. فعندما تتأثر صحة عامل واحد من هذه العوامل تتأثر الدورة بأكملها. فمثلاً إذا افتقرت التربة إلى المعادن افتقر إليها العشب الذي ينمو فيها وافتقرت إليها الحيوانات التي ترعى العشب، وافتقر إليها الإنسان الذي يتناول لحوم تلك الحيوانات أو يشرب ألبانها!! فصحة الإنسان الشخصية مرتبطة بصحة جميع عناصر دورة الغذاء.

وأهم ما يجب ملاحظته أن هذه العلاقة هي بين آكل الطعام والطعام كوحدة واحدة، وليس كعناصر غذائية وكيميائية منفصلة، على الرغم من أن الجسم يفكك الطعام إلى مركبات كيميائية بسيطة، فنوعيّة الطعام كوحدة واحدة مهمة جدا. فعند أخذ الذرة كمثال نجد أن الجسم يفككها بشكل عام إلى سكريات بسيطة. ولكن كمية وتركيبة الألياف في الذرة تحدد بشكل كبير سرعة إطلاق وامتصاص الجسم للسكر الموجود في الذرة، وهو ما يسمى بأيض الإنسولين. وهذا يفسّر عدم تقبّل الجسم لمادة غير طبيعية (لا تنمو في التربة او في الأرحام!!) وهي شراب الذرة عالي الفركتوز high fructose corn syrup الذي يسبب اعتلال الإنسان لعدم مروره في دورة الغذاء.

ومن خلال هذا المنظور يتضح أن طعام اليوم الذي طال التغيير دورته الطبيعية خلال ال 150 عاما الماضية (والحقيقة أن التغيير طال الطعام منذ بداية الزراعة المنتظمة) يختلف بشكل كبير عن الصورة الأصلية للطعام. ووضع الذرة اليوم يشير إلى أحد أبرز اتجاهات التغذية، وهو أولاً: التحوّل إلى تكرير الطعام خاصة النشويات، فبدلاً من الدقيق الكامل والسكر غير المكرر اتجه الناس (مصنعون ومستهلكون) إلى الدقيق الأبيض والسكر الأبيض. ولن ندخل في اسباب ذلك، والمهم أن هذا حصل على حساب العناصر الغذائية (ليس الفيتامينات والمعادن فقط إنما حتى الألياف التي ينظم وجودها امتصاص السكر/الطاقة من الطعام) التي تفقد اثناء التكرير. ثانياً: التحول من المركّب إلى البسيط بدءاً من المخصبات المصنعة التي تبسّط كيميائة التربة إلى نيتروجين وفسفور وبوتاسيوم مما حرم التربة من عناصر مهمة أخرى مثل الأحياء الميكروبية فيها، ووصولاً إلى الطعام عالي التكرير على المائدة. ثالثاً: التحول من نوعية الغذاء إلى كميته حيث يركز المصنعون على كمية ما ينتجونه لا على جودته وهذا أدى إلى إنتاج كبير لأطعمة تفتقر إلى الفيتامينات والمعادن، وهو شبيه بالتضخم المالي، فعلى إنسان اليوم أن يأكل أكثر ليحصل جسمه على كفايته من العناصر الغذائية. ومن هنا أيضا انتشر نقص الفيتامينات والمعادن من حديد وكالسيوم وبوتاسيوم ومغنيزيوم الخ. بين الناس. رابعاً: التحول من الورقيات إلى الحبوب، فقد استحوذ عدد قليل من المحاصيل أغلبها الحبوب على اهتمام المصنعين لأنها تتمتع بالكفاءة في تحويل ضوء الشمس والسماد والهواء والماء إلى عناصر غذائية كبرى (نشويات ودهون وبروتينات) يمكن تحويلها (بإطعام الحيوانات بها) إلى لحوم وألبان وأطعمة مصنعة أخرى لا حصر لها. ولكن حاجات جسم الإنسان أوسع بكثير حيث يؤدي استهلاك العناصر الكبرى من خلال زيادة تناول الحبوب إلى شتى الأمراض والأعراض ومنها السمنة بسبب الحرمان من العناصر الصغرى (الفيتامينات والمعادن) الموجودة في الورقيات. خامساً: التحول من المتوارث من عادات الشعوب الغذائية إلى سيادة عادات تناول نواتج التصنيع الغذائي الحديث، الفقيرة غذائياً. فوهج الدعاية لحوالي 17000 منتج غذائي جديد كل سنة، والتي تقف خلفها صناعة تقدّر بحوالي 32 مليار دولار سنوياً، أدى إلى الحالة الصحية المزرية التي عليها الإنسان اليوم.

المصدر: صحيفة الرياض
بواسطة : admin
 0  0  1404