• ×
admin

التغيرات البيئية والمناخية هل تؤثر على صحة الإنسان؟

التغيرات البيئية والمناخية هل تؤثر على صحة الإنسان؟
الخضار والفواكه التي تنمو في منطقة معينة في أشهر محددة عناصرها الغذائية أفضل

إعداد: د. عبدالعزيز بن محمد العثمان

*هل تؤثر التغييرات البيئية والمناخية على صحة الإنسان؟

-الجواب نعم، تكثر في كل فصل من فصول السنة أمراض مختلفة عن بقية الفصول فمثلاً هناك أمراض تنتشر في الشتاء مختلفة عن تلك التي تنتشر في الصيف أو الربيع أو الخريف، وهذا معلوم لدى الجميع، ولكن هل يؤثر تناول الأغذية التي تنمو في فصل معين على صحة الإنسان؟ وماذا لو تناولنا أغذية ليست من بيئتنا مثل الأغذية المستوردة أو المجمدة التي كانت تكثر في فصل مختلف مثل تجميد البرتقال الشتوي وإذابته وتسويقه في الصيف، هل يؤثر ذلك على صحة الإنسان؟ الجواب نعم يؤثر فكلما تناول الشخص الأغذية التي تنمو في بيئته وفي نفس الفصل من السنة فهذا بلا شك أفضل لصحته وهذا ما أثبتته الأبحاث الطبية التي وجدت تأثيرات واضحة على الصحة بشكل مباشر مثل تأثيراتها على فيتامين (د) وعلى بعض الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم وغيره، وأيضاً وجدت الأبحاث العلمية أن الخضار والفواكه التي تنمو في منطقة معينة في أشهر محددة من العام تكون أكثر جودة وأفضل في احتوائها على العناصر الغذائية وأقل في التعرض للآفات الزراعية من نفس الأنواع في منطقة أخرى. ولا يتوقف ذلك على النباتات بل حتى الحيوانات والأسماك، حيث تكثر أنواع كثيرة من الأسماك في الأنهار والبحار في فصل الربيع في كل أنحاء العالم أكثر من أي فصل آخر.

يدخل في بداية شهر مارس القادم فصل الربيع وفيه تزرع الكثير من الخضار والفواكه في المملكة والتي تشكل إنتاجاً وطنياً هاماً، وتوفر تلك الخضار والفواكه المنتجة محلياً كل ما يحتاجه الناس من العناصر الغذائية بمعنى أنه لو لم يتناول الناس غير تلك المنتجات المحلية النباتية والحيوانية لكانت كافية لهم تماماً من الناحية الصحية.

التباين الموسمي

على الرغم من شهرة مصطلح التباين الموسمي (Seasonal Variation ) في أغلب دول العالم إلا أنه غير معروف في الوطن العربي، وربما يكون من أسباب ذلك اختلاف الاهتمام العلمي وعدم تباين بعض فصول السنة في بلداننا العربية، وتوفر المنتجات الغذائية من الخضار والفواكه والحبوب والمنتجات الحيوانية في بلداننا ولله الحمد من عدة دول عالمية وفي كل شهور السنة.

لكل نبات دورة حياة خاصة به ووقت ينمو فيه وأرض معينة تناسبه ومناخ يعيش فيه لا في غيره، فسبحان الخالق، فالنخيل تنمو في بلادنا وكل الدول التي تقع حول خط الاستواء بينما لا تنمو بعض الفواكه مثل الفراولة والكرز عندنا في المناخ الخارجي، وهنا نتساءل لماذا؟ لأن درجة الحرارة العالية لا تناسب تلك الفواكه كما أن درجة البرودة لا تناسب نمو النخيل في شمال وجنوب الكرة الأرضية، وهذا صحيح وواضح، ولكن لماذا ينمو القمح في كل مناطق الأرض إذن؟ .. لا بد أن يكون هناك سبب مختلف لنمو النباتات في مكان وبيئة معينة ولا تنمو في مكان آخر، وأذكر أني أحضرت نبتة عشبية زكية الرائحة من أبها وزرعتها وتفاجأت أن تلك الرائحة الزكية اختفت رغم نمو النبتة، وهكذا بعض أصناف التمور في المملكة تجود في منطقة معينة ولا تنجح في مناطق أخرى رغم تقارب البيئة الجوية والمناخ.

المزارعون يتبعون بدقة مواسم الزراعة ويعرفونها حسب النجوم والطوالع والمعروفة ولها جداول مشهورة تبين أوقات زراعة كل صنف ومن تجاوزها فإن فرصة إنبات تلك البذور وإنتاج تلك النباتات تكون ضعيفة، وكان والدي - رحمه الله - من المهتمين بمعرفة أوقات الزراعة وحساباتها ومعرفة الطوالع والنجوم وكان رحمه الله مرجعاً في ذلك لكل من حولنا، وسأله جار لنا عن أفضل يوم لزراعة الكوسة فأخبره بها إلا أن جارنا لم يستطع أن يكمل بذر كل بذور الكوسة في اليوم المحدد، فكانت النتيجة العجيبة أن نبتت كل البذور ونمت الشجيرات ولكن لم تنتج تلك التي بذرت متأخرة بيوم واحد فقط، فبينما أنتجت تلك التي زرعت في يومها، فسبحان خالقها، لم يتغير أي شي ولا حتى الجو ومع هذا حصل ذلك الاختلاف في الإنتاج.

السبب الحقيقي لتلك الاختلافات أن الله عز وجل خلق الإنسان بدقة عجيبة وهيأ له أسباب حياته التي هو مسير فيها لا مخير، وعلمه الأوقات ومنازل النجوم ليهتدي بها ليس في مسيره على الأرض ولكن أيضاً في حياته وسبل عيشه، وخلق مكونات البيئة من التربة ودرجة الحرارة والرطوبة بما يناسب نمو النباتات والحيوانات التي تعيش في أرضه بشكل طبيعي، لتوفر له كل احتياجاته الغذائية بلا أي نقص إن هو اهتم بها وسار حسب ما خلق الله له ولها بكل دقة وانضباط.

ويبقى السؤال: إذا تناولنا أغذية لا تنمو أو تعيش طبيعياً في بيئتنا مثل الفراولة والكرز والكيوي وأسماك السالمون وغيرها هل تسبب لنا مشاكل صحية؟ الجواب أن تناول الأغذية التي تنمو في مناطق أخرى غير منطقة الإنسان الذي يعيش فيها يفيده وتركها لا يضره.

عجائب معجزة

من العجائب أن كل شيء ينمو بشكل أفضل في فصل الربيع، ليست النباتات فقط، بل وحتى الحيوانات والطيور والأسماك، وصحة الإنسان عامة تتحسن في فصل الربيع ما عدا من لديهم بعض أنواع الحساسية، بل في دراسات أجريت في الصين وجدوا أن الأطفال الذين ولدوا في الشتاء كانوا أقصر في الطول ونموهم أضعف من الأطفال الذين يولدون في الصيف والخريف.

وجد باحثون بريطانيون أن تركيب حليب الأبقار نفسها يختلف من فصل لآخر فقد ارتفعت نسبة اليود في الحليب في فصل الشتاء بينما كانت نسبة فيتامين البيتاكاروتين أكثر في الصيف لنفس مجموعة الأبقار التي أجريت عليها الدراسة، وهذا راجع لنوعية تغذيتها والتأثير البيئي عليها.

التغيرات التي تحدث في أجسامنا مستمرة وتحتاج لتغذيتها بعناصر غذائية معينة مع استمرار تلك التغيرات، وكلما كبر الإنسان تقل سرعة تلك التغيرات، فالجنين ينمو بسرعة هائلة في بطن أمه، وبعد ولادته يواصل النمو السريع وإن كان أقل سرعة من فترة وجوده داخل الرحم، ففي الأشهر الستة الأولى من ولادته يضاعف وزنه أثناء الولادة فإن كان وزنه بعد الولادة 3.5 كيلو مثلاً، يكون وزنه بعد 6 أشهر 7 كيلو، وفي الستة أشهر التالية تقل سرعة النمو قليلاً فَيصِلُ نهاية عامه الأول وقد صار وزنه ثلاثة أضعاف وزنه بعد الولادة أي حوالي 10 كجم، هذا النمو السريع لو استمر لبلغ وزنه 40 طناً خلال بضع سنوات، و لكي يحقق الطفل ذلك النمو الهائل في وقت وجيز يحتاج غذاء خاصاً يوفر له كل احتياجاته من العناصر الغذائية والمركبات المهمة لنموه ووقايته من الأمراض من خلال نمو جهازه المناعي مع باقي أعضاء الجسم الحيوية، ذلك الغذاء الذي كفله الله لذلك الطفل هو حليب الأم الذي عجزت كل شركات حليب الأطفال في العالم أن تنتج مثيلاً له، وعندما تراخت بعض الأمهات في إرضاع أطفالهن أو كان لديهن نقص في الحليب بسبب سوء تغذيتهم وضعف صحتهن، نشأت الكثير من أمراض الأطفال التي لم تكن معروفة في السابق وقد يضعف نموهم أو صحتهم بشكل واضح أو غير واضح حالياً ولكنها تظهر عندما يكبر ذلك الطفل. من عجائب خلق الله، أن الله سبحانه لم يترك تلك الفترة الحيوية الهامة مفتوحة لاختيار الإنسان لنوعية غذاء الرضع من الإنسان والحيوان بل حددها في نوع طبيعي واحد وألهمها مخلوقاته.

عندما يكبر الطفل ويميز ويستطيع اختيار غذائه وجب عليه الاختيار الأفضل لنمو جسمه وتمام صحته، وعليه تحمل مسؤولية ذلك، فمن الناس من أحسن في الاختيار ومنهم من لم يوفق في إطعام جسمه بما يناسبه ربما بسبب عدم معرفته بأهمية الدقة في اختيار طعامه أو تأثر بالحملات الإعلانية عن الأغذية غير الصحية وتغيرت أنماط حياة الناس للأسوء دون أن يشعروا.

أغذية الربيع

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً.. من الحسن حتـى كـاد أن يتكلمـا، وصف بديع من شاعر عظيم هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي (البحتري)، نعم خلال الأيام القليلة القادمة تتجمل الأرض وتزهر النباتات وتخرج أجمل ما فيها شكلاً ورائحة وثماراً، فكلمة الربيع تعطي شعوراً جميلاً وإحساساً بزهور ملونة جميلة ولكن هذا الفصل يعطي في نفس الوقت ثماراً وخضارًا ومحاصيل مفيدة صحياً، فمع دخول فصل الربيع بعد عدة أيام تنمو كثير من الخضروات والمحاصيل والزهور التي بذر بعضها في الأيام الماضية، فأغلب النباتات الزراعية ونباتات الزينة والنباتات الصحراوية تنمو وتكبر في هذا الفصل الجميل، فمن الخضار التي تنتج في هذا الفصل القرعيات بكل أصنافها والباميا والخضروات الورقية مثل الملوخية والرجلة وبعض الخضروات الورقية إن زرعت مبكراً فيمكن أن تنتج مثل السبانخ والبقدونس والجرجير والكراث والكزبرة والسلق والكرفس والشبث ولكن إنتاجها أفضل في الأشهر الباردة رغم تشابهها مع الخضروات الورقية الأخرى، وأيضاً تزرع نباتات الطماطم والفلفل الحار والباذنجان والخيار والكوسة واللوبيا والفاصوليا والبازلاء والبطيخ بكل أنواعه أما الفلفل الرومي والبصل والثوم والبطاطس والجزر والفجل واللفت والبنجر فإن نموها يكون في فصل الشتاء، كما تزرع في فصل الربيع الذرة الرفيعة والشامية والفول السوداني وقصب السكر.

ومن الفواكه التي تنمو في فصل الربيع، التين والزيتون والرمان والعنب والتوت البلدي والنخيل.

إذن هناك الكثير من الخضروات والفواكه التي إما تزرع أو تنتج في فصل الربيع وتلك الخضار والفواكه هي التي يحتاجها الجسم في فصلي الربيع والصيف لتمده بالعناصر الغذائية المناسبة ومنها الماء والسكريات والفيتامينات والمعادن وغيرها.

هي دعوة لتناول تلك الخضار والفواكه والمحاصيل في موسمها بقدر الإمكان لآن في ذلك صحة وعافية للجسم ووقاية لكثير من الأمراض، ولا مانع من تناول غيرها مما ينمو في فصول أخرى أو يستورد من بلاد مختلفة، ولكن تبقى النباتات التي تزرع محلياً أفضل لصحة الإنسان وتوازن عملياته الحيوية.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  549