• ×
admin

أنغيلا ميركل.. الوجه الآخر للمستشارة الإنسانة

أنغيلا ميركل.. الوجه الآخر للمستشارة الإنسانة

د. حمد المانع

وأتصور أن قوة ميركل الحقيقية تكمن في المستوى الرفيع من الشفافية الذي وصلت إليه هذه السيدة التي تستحق سيرتها أن تدرس؛ لما تكتنز به من خلاصات تتجاوز الإعجاب إلى الإدهاش حقاً..

ما أكثر المقولات السابحة التي لم تخضع لمراجعة في هذا العالم.. مثلا، المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، شاع عنها لقب المرأة الحديدية، حين ندقق النظر في مواقفها الإنسانية نجدها سيدة تقطر إنسانية، فلا نعرف أحداً في هذا العالم قدم للأشقاء السوريين ما قدمته ميركل السيدة التي فتحت بلادها لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين، احتضنتهم، وقدمت لهم جميع ألوان الرعاية والاهتمام، حتى أن كثيرين منهم اليوم تطوروا على نحو لافت، وأصبحوا يشكلون مكوناً من مكونات الماكينة الألمانية العملاقة التي تحظى بإعجاب العالم وانبهاره بمنتجاتها التي تحتل موقعاً مهماً في صدارة المنتجات العالمية، وكثير من الاستقرار والأمان والعيش الكريم الذي يتمتع به الأشقاء السوريون الذين خرجوا من بلادهم تحت القصف يعود الفضل فيه بعد الله إلى هذه المرأة الإنسانية للغاية، وليست الحديدية، كما يروج عنها.

ولم يثن المستشارة الألمانية المعارضة الشديدة التي تواجهها عن الوقوف بثقلها وراء المهاجرين السوريين الذين سعت بقوة لتجعل من بلادها وطناً بديلاً لهم، الأمر الذي تسبب في تراجع شعبيتها في الشارع الألماني إلى حد اضطرت معه إلى التحالف مع الحزب الاشتراكي لتشكيل حكومتها الرابعة، بعد نجاحها في البقاء مستشارة

لألمانيا على رأس ثلاث حكومات منذ عام 2005 حتى اليوم، لكن البقاء على رأس هرم السلطة في ألمانيا لم يقف حائلا في طريق قطار إنسانية ميركل التي أبت إلا أن تصطحب على متنه ضحايا واحدة من أعنف الديكتاتوريات في تاريخ البشرية، بعد مجزرة غير مسبوقة لشعب على يدي نظامه الحاكم.

ويبقى السؤال: كيف أصبحت ميركل على هذا النحو من القوة إلى حد يجعلها قادرة على اعتلاء مقعد المستشارية الألمانية، واستضافة ملايين المهاجرين السوريين في بلد اشتهر طويلا بحرصه على المحافظة على عرقه خالصا له؟، وأتصور أن قوة ميركل الحقيقية تكمن في المستوى الرفيع من الشفافية الذي وصلت إليه هذه السيدة التي تستحق سيرتها أن تدرس؛ لما تكتنز به من خلاصات تتجاوز الإعجاب إلى الإدهاش حقاً؛ فبحكم خبرتي في الشعب الألماني، الخبرة التي كونتها على مدار أعوام دراستي التي أمضيتها في هذا البلد، وجدت الألمان واحداً من أقوى شعوب أوروبا، صرامةً والتزاماً في حياتهم العملية، وعهدت في الألمان أيضاً أنهم لا يتسامحون في أي خطأ، ولاسيما الأخطاء التي تصدر من قبل المسؤولين الحكوميين، وإذا كان هذا حال المواطن الألماني العادي، فإن الصرامة والحرص على الالتزام يكون مضاعفاً من قبل المعارضة التي تتصيد أخطاء الحكومة على نحو يجعل مهمة السيدة أنغيلا ميركل بالغة الصعوبة لمواجهة شعب ومعارضة على مستوى غير مسبوق من الدقة والالتزام، وعدم الاستعداد لغفران أي خطأ منها، أو التهاون فيه، لكن يبدو أن

ميركل تعمل وفق المثل المصري القائل «امشي عِدِل يحتار عدوك فيك».. نعم، لقد حيرت ميركل أعداءها فيها، فباتت آمنة من محاولات التصيد والرقابة الصارمة التي تلاحقها.

وأعود لأؤكد على قيمة نهج الشفافية التي التزمته أنغيلا ميركل، الشفافية التي جعلتها في حصن حصين من أيدي المعارضة الألمانية الشرسة، ومن المواقف التي تجسد شفافية المستشارة الألمانية، تلك الصور التي التقطتها لها عدسات المصورين وهي عائدة من السوق برفقة زوجها، شأنها شأن أي مواطنة ألمانية عادية، مع أنها تشغل

منصب مستشارة واحد من أغنى بلاد العالم، فيكفي أن نعرف أن قيمة صادرات مصنع واحد من مصانع السيارات في ألمانيا تعدل 1.550 مليار دولار، لكن تربع ميركل على كرسي المستشارية في بلد بهذا التقدم والثراء، لم يمنحها أي ميزة إضافية، فبقيت شأنها شأن أي مواطنة ألمانية، بل اختارت ميركل أن تكون ضمن صفوف المواطنين غير المستفيدين من الدعم أو المزايا العادية التي يتمتع بها كثير من مواطني بلدها، فميركل لا تتلقى أي خدمات مجانية من الدولة، لا سكن ولا كهرباء ولا غاز ولا مياه، ولا هاتف مجانيا من ميزانية ألمانيا الغنية، تتسوق بنفسها وتقود سيارتها وتدفع ضرائبها وتسدد مخالفاتها. ومما يؤثر عنها موقف جمعها

بمصور صحفي سألها: أذكر أنني التقطت لك صورة بهذا الفستان نفسه قبل عشر سنوات، فقالت له: أنا مهمتى خدمة الشعب الألماني، ولست عارضة أزياء. فأي من تعاليم الدين الإسلامي لم تطبقه ميركل في بلادها وعلى نفسها، مع أنها ليست مسلمة؟!

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  2710